من صيد الخاطر: إنَّ خَصْلَتَينِ خَيْرُهُما الكَذِبُ لَخَصْلَتَا سُوءٍ
«إنَّ خَصْلَتَينِ خَيْرُهُما الكَذِبُ لَخَصْلَتَا سُوءٍ»، مثل عربي قديم، يضرب للرجل المعروف بكذبه فيعتذر من شيء فَعَله بالكذب، ويقال إن قائل هذا المثل هو الخليفة الخامس عمر بن عبدالعزيز، رضي الله عنه وأرضاه.
وهناك عدة أمثال تسد مقام هذا المثل منها: «عذرُهُ أَشَدُّ من جُرْمِه»، ومنها المثل الدارج: «عذرٌ أقبح من ذنب»، والذي انطبق على أحدهم، فيُحكَى أن «فَسْلاً»، وهو الرجل بلا مروءة، قام بسرقة مواد بناء كانت قرب بيت جاره، وحين كشفه الجار ارتبك ذلك «الفَسْلُ» وقال: «لم أكن أعلم أنها لك»، فردّ عليه الجار فوراً قائلاً: «ولكنك تعلم أنها ليست لك، فكان عذر السارق أقبح من ذنبه».
وهناك هذا المثل: «قيل ما قيل»، وهو يقال عند انتشار قول باطل يصعب تصحيحه، وأصله أن الشاعر لَبِيد بن ربيعة هجا في جاهليته جليس ملِك، وزعم أن فيه بَرَصاً خافياً، فطرد الملك جليسه، وحين نفى الجليس زعم لبيد، قال الملك هذا البيت، وكأنه يقول له: «قد وقعت الفأس في الرأس»، ثم قال:
قد قيل ما قيل إنْ حقّاً وإنْ كَذِباً
فما اعتذارُك من شيء إذا قيلا
وهناك مثال آخر يطلق على من عُرف عنه الكَذِب والافتراء، فلا يُقبل قوله وإن كان صادقاً، وهو: «إذا سَمِعْتَ بسُرى القَينِ فإنَّه مُصبِحٌ»، وأصله أن القَينَ، أي الحَدَّادُ، إذا ما كسَد عمله أشاع كذباً بين الناس بارتحالِه وهو يريد الإقامة، فلا يصدقه أحد، لأنَّ مَن عُرِف بالصِّدقِ جاز كَذِبُه، ومَن عُرِف بالكَذِبِ لم يَجُزْ صِدقُه.
فالكذب صفة مذمومة، يوصم بها الكذابون فقيل فيهم: «ليس لمكذوبٍ رأيٌ»، و«يا لَلأَفيكةِ» أي الكذبة، و«يا لَلْبَهيتةِ»، أي الذي ينطقون بالبهتان، و«يا لَلْعَضيهةِ» وهم الذين يقذفون بالباطل، وقد قيلت أشعار في اَلْبَهيتةِ، فقال أحدهم:
هَبْني تحرَّزْتُ ممَّن يَنُمُّ بالكتمانِ
فكيف لي باحترازٍ مِن قائِلِ البُهتانِ؟!
وقال حكيم:
إنَّ الكريمَ إذا تقضَّى وُدُّه
يُخفي القبيحَ ويُظهِرُ الإحسانا
وترى اللَّئيمَ إذا تصَرَّم حَبلُه
يُخفي الجميلَ ويُظهِرُ البُهتانا
كفانا الله شر كل أفّاك أَشِر، فهو لا ينطق إلا بالبهتان وبالكذب.