في هذا الظرف نستغرب صمت نواب مجلس الأمة السابقين وصمت رموز المعارضة؟ صمت لا يفسره إلا عدم تبني هؤلاء في يوم من الأيام برنامج عمل متكاملا منبثقا عن جهد علمي منظم لوضع حلول إصلاحية وتطويرية تحقق ضرورات المجتمع ومطالب الشعب في الوقت على أنقاض الدولة الريعية من خلال حقن الجسد المجتمعي بترياق الخصخصة وتحويل فائض العمالة الوطنية للقطاع الخاص مع دعم العمالة، ما يعني إدماج العمالة الوطنية في بنية اقتصادية تصقل مواهبهم ليكونوا قوة إنتاجية إيجابية فتختفي معها البطالة المقنعة التي وصلت الى 80% تتكدس في القطاع العام وتلتهم معظم الإيرادات برواتب وأجور وميزات تتزايد كل عام في الوقت الذي يُترك القطاع الخاص للعمالة الوافدة من كل جنس، فيبرز كائن اقتصادي مشوه وكارثي إذا علمنا أن مخرجات التعليم ستصل خلال السنوات العشر القادمة إلى 200 ألف طالب وظيفة من المواطنين.
كما لم يتلق هذا الجسد المتشوه علاجات تخلصه من تركيبة سكانية مختلة أصبح فيها المواطنون أقلية مع ضغط على البنية التحتية ومرافق الخدمات، ففاضت المستشفيات والشوارع بالزحام، ولم يضع النواب حلاً لحوادث المرور المروِّعة بوفيات مرتفعة، ولم يكن في حسبانهم مواجهة الخدمات التعليمية والصحية الرديئة وطلبات الإسكان المتراكمة حتى بلغت 130 ألف طلب تتراكم بمعدل 8000 طلب سنويا، ليعاني المواطن من إيجارات مرتفعة تأكل الرواتب ويعاني الآباء المتقاعدون فقدان مدخراتهم، وتحمّل قروض باهظة مع أبنائهم المتزوجين بعشرات الآلاف... هذه أبرز عناوين التراجيديا المجتمعية التي تعايشنا معها، ولم تكن من اهتمام دهاقنة البرلمان طيلة العقود المنصرمة.
لذلك لا نستغرب صمتهم وانكفاءهم على أنفسهم، إذا واجهوا التحديات والمخاطر فماذا عساهم يقولون في ظل جهود حكومية صادقة لاجتثاث الفساد والفاسدين مما فقدت معه المادة الفضائحية التي تخاطب وتستفز بها العواطف، بمعنى آخر لقد تم تفكيك خيام السرك الانتخابي وفعالياته، ففقد كل أعضاء السرك وأبطاله أدوارهم، وهذا ما يفسر لواذهم بالصمت في وقت نجد فيه الكلام من الذهب الخالص، فما زالت هناك قضايا تستحق أن يتكلم فيها كل مهتم بالشأن العام ولا يوجد ما يمنع الكلام وطرح الحلول وتوجيه النقد وفضح العجز والإهمال، وقبل ذلك هناك واجب تقديم النصح والمساعدة بتقديم الخبرة والحلول الفنية التي تسرع في الإنجاز وتسهم في تجاوز المشكلات.
فهؤلاء لم يعيشوا يوما بوجدانهم ووعيهم وصميم اهتمامهم من أجل هذه القضايا، ولم تكن ساكنة في ظاهر ولا باطن فعلهم السياسي المحشو باستهدافات تخدم الأجندات الشخصية وتدفع المياه لطواحين أقطاب الصراع السياسي، يلخصها ما كان يدور من تعيير بعضهم بأن لهم معازيب يحركونهم، وحتى لا نظلم الجميع هناك شخصيات مخلصة نادرة دارت حول استهدافات وطنية، لكن جهودها في هذه الأجواء الصراعية العاصفة كانت غير مثمرة، فهي كما قال تعالى «كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ».
(انظر مقالنا بتاريخ 2023/6/1 الخاص بمشروع النائب السابق الفذ عبدالله المضف).
ما أحوج الكويت في هذه الأيام الى برنامج عمل كالذي تحدثنا عنه في مقالاتنا السابقة وفصلنا الحديث في عناصره انظر أهمها مقالنا بتاريخ 2022/10/7 (حتى لا تكون العربة أمام الحصان هذا برنامج عمل مقترح للحكومة)..
نداء الواجب يدعو كل الفعاليات الاجتماعية والاقتصادية والصحية والإسكانية والتعليمية لوضع برنامج عمل على أسس علمية يتجاوب مع آخر المستجدات والتجارب لنضع أفضل وأرقى الحلول بعيداً عن الشعبوية والعبارات الخطابية الفارغة، بل نضع أهدافا بمعايير زمنية وكمية محددة تحقق التغيير الجذري وتغرس الحلول الممكنة في البيئة الحالية وفق أرشد الأسس وتسويقها للرأي العام وإقناع الحكومة بها حتى نخرج من سطوة منظومة الدولة الريعية وتنتهي دولة الرعاية بالشكل الحالي لنخلق مقومات مجتمع فعال ينتج ضرورات استمراره بسواعد أبنائه مع تحقيق أقصى حدود الرفاهية في إطار الممكن.