عشاق القهوة في بلاد الشام يولون صباح الحب لكل الأشياء الجميلة حولنا، ولتلك الأماكن التي ضحكنا فيها كثيراً، وفاض جمالها على أكواب القهوة والقلوب التي تحمل البياض في روحها، هي داكنة اللون صنعت لتمنح الصباح دلاله، ومستقرة في فنجان أبيض إلى جانب ورقة وقلم بحري تحاكي الكلمات بدفئها، وعذوبتها بمذاقه، يراها المحبُّ دواء للهوى والحنين والذكرى، ويتذوقها الكاتب بنكهة متجددّة لكلماته ويتحدى الباحث أفكاره فتطلق سبيل ابداعاته ولا يمل منها الصباح وأهله يومياً، فإن كثرت عليها الوشايات فإنها لا تترك للمحبين إلا إيجاد الأعذار، فيزيدهم التعلق بها، غير أن الجميع يعلم مفعول القهوة الطبي والحيوي، ومنذ بعيد الأزل كانت هي مضاد للشيخوخة ومكثف للشعر ومنقذ في حال اختناق الصدر، إلا أن المشاكسين يشهرون بمضارها وسُميتها، التي قد تكون بسبب خطورة تصنيعها قبل نزولها للمستهلك، وليس لكل أنواع مشروب القهوة.
يعدّ مشروب القهوة من المشروبات الصحية الآمنة في جرعاتها الطبيعية، وذلك بمعدل 200 مل يومياً على 4 جرعات، إلا أنها تعتبر مخدرا قويا ولها مضار كثيرة إذا زادت الجرعة، خاصة عند الأشخاص الذين يشكون من أمراض القلب والكلى، في حين القهوة باحتوائها على مواد طبية منشطة ومنبه للدماغ والتيار العصبي مثل الكافيين تحسن المزاج بالجرعات الطبيعية، وتحسن الهضم، وتزيد النشاط الذهني والبدني، كما أن كثيراً من الدراسات أشارت إلى أنها آمنة في الجرعات العادية، غير أن دراسات أخرى وجدت أن الجين الكروموسومي له علاقة بالوقع في مضاعفات القهوة عند الجرعات العالية، بمعنى أن جرعة الخطورة والوصول للمضاعفات السلبية تختلف من شخص لآخر.
كثيرة هي المضاعفات الجانبية للمشروب الساحر، القهوة، ولكن أهمها الإصابة بالقلق وعدم النوم ليلًا في حال الخروج عن الجرعة العادية خلال اليوم، بسبب مادة الكافيين التي تعمل على تعطيل مادة الأدينوزين في الدماغ، والتي تسمح بالشعور بالتعب بعد الإجهاد، وزيادة إفراز هرمون الأدرينالين المحفز على ما نسميه «fight-or-fight» القتال أو القتال المحفز للطاقة! خاصة عند شربها في وقت متأخر، في حين إذا أضيف لها السكر أو المحليات الصناعية والإستسفيا من ضمن المحليات، فإن سميتها تزيد وبسرعة عالية، ويزيد من الصداع والتوتر والعصبية والقلق حتى يصل الى الاختناق والإدمان.
ويرتفع تركيز الكافيين في الدم بسبب المشروبات الغازية والمنشطة، مما يسبب اختلالا في النوم ليلا ولفترات طويلة، وذلك لما يحتويه من جرعة الكافيين العالية التي قد تزيد على 350 ملغ، وهذا يعدّ زيادة عالية جداً عن الجرعة اليومية، وإن كان في الصباح الباكر، فالدراسات تقول إن جرعة الكافيين من القهوة أو مشروب آخر يتصرف بها الجسم ويحللها خارجا بعد خمس ساعات على الأقل، وقد نزيد مع السن وسوء الهضم أو ضعف في الكبد، وتختلف كما قلنا من شخص لآخر.
قليلة هي الأبحاث التي تقول إن للقهوة مفعولا يُشعر بالدوخة أو أنها مسهل للأمعاء بسبب إفراز هرمون الـ«gastrin» الذي تفرزه المعدة لتسريع حركة القولون، والأخطر من ذلك عند الجرعة العالية، تعمل القهوة على تسمم العضلات وتلف أليافها أو بما يعرف «Rhabdomyolysis»! لذلك لا بد من النظر في تقليل جرعة القهوة الساحرة عند محبيها ونكتفي بصباحها الجميل.