لا يختلف اثنان على فوائد الشبكة العالمية للإنترنت، ولا على المخاطر التي تجلبها هذه الشبكة على الأمن الوطني واحتمالية انتهاك قواعد البيانات والأنظمة الحكومية والخاصة بجميع دول العالم دون استثناء، والحروب اليوم أضحت تكنولوجية أكثر منها تقليدية، وهذا أصبح معلوما للجميع.
اليوم الدول المتقدمة والنامية تمتلك جيشا يرابط بثكنات تبعد آلاف الكيلومترات عن حدود بلد العدو، مهمته التجسس على الأنظمة الآلية للعدو في وقت السلم والانقضاض عليها وعلى البنى التحتية في وقت الحرب. لهذا السبب، عمدت الدول الى إنشاء مراكز استشعار يعمل بها خبراء أكفاء متخصصون في رصد أي انتهاكات ومحاولة تسلل أو تخريب للأنظمة وقواعد البيانات.
التفتت الكويت متأخرة الى أهمية إنشاء هذا المركز، ولكن أن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي أبداً، وذلك بإصدار المرسوم الأميري 37 لسنة 2022 بتاريخ 6 فبراير 2022 والخاص بإنشاء المركز الوطني للأمن السيبراني، محددة 5 أهداف للمركز و30 اختصاصا تساعد المركز في تحقيق أهدافه. استثارني تصريح رئيس المركز المنشور في الصحف قبل أيام وطلبه من الوزارات والجهات الحكومية ضرورة إخطار المركز الوطني بشكل فوري بأي تهديد لأمنها الإلكتروني لتمكينه من تفادي الأخطار المحتملة والتعامل مع الهجمات الإلكترونية التي تستهدف الجهات الحكومية! وبالرجوع الى أهداف واختصاصات المركز الوطني، نلاحظ تفرعها وشموليتها، أحد هذه الاختصاصات (وهو غيض من فيض) أن يختص المركز بنفسه بمراقبة ورصد التهديدات الإلكترونية لشبكات الجهات الحكومية لا أن يطلب من الجهات الحكومية العاجزة فنيا وتجهيزيا وخبرة أن تقوم بذلك.
من أهم اختصاصات المركز الوطني للأمن السيبراني التي تأتي على رأسها (وفق المرسوم) هو إعداد استراتيجية وطنية للأمن السيبراني، بحثت عنها ولم أجد لها وجوداً، وبحثت لعلّي أجد قرارات ولوائح صدرت عن المركز، ولم أجد غير إصدارين هما لائحة تصنيف البيانات والإطار الوطني لحوكمة الأمن السيبراني صدرا في يوليو وأغسطس 2023، والغريب أن هذه الإصدارات ليست منشورة على الموقع الإلكتروني للمركز الوطني لأنه لا يوجد موقع إلكتروني للمركز، ومن المستغرب والمستهجن ألا يكون لجهة تكنولوجية متخصصة بحماية الكويت من الهجمات السيبرانية موقع إلكتروني رغم مرور ما يقارب الـ3 سنوات على إنشائها، ليكون مرجعا للقطاعات الحكومية والخاصة وحتى الأفراد لكل ما يتعلق بالأمن السيبراني من قرارات وأنشطة توعوية وإرشادات وأخبار عالمية بهذا الشأن.
ليس من باب الانتقاد بل الاستفهام بصفتي مواطناً كويتياً بسيطاً مهتماً بأمن بلدي وحماية أنظمته وقواعد بياناته التي بانتهاكها، لا سمح الله، تصل الأمور الى ما لا يحمد عقباه، أتمنى من القائمين على المركز إطلاع الشعب الكويتي على إنجازاتهم ومدى تحقيق أهداف إنشاء المركز التي يأتي على رأسها كما نص عليها المرسوم الأميري «بناء منظومة فعالة للأمن السيبراني على المستوى الوطني»... أين نحن من تحقيق هذا الهدف السامي بعد انقضاء 1000 يوم من إنشاء المركز؟!