من المفترض أن توضح الانتخابات أوجه انعدام اليقين السياسي، وعلى الصعيد الاقتصادي، فعل فوز دونالد ترمب على كامالا هاريس ذلك على وجه التحديد، فقد قفزت مؤشرات الأسهم الأميركية الرئيسة الثلاثة وعوائد سندات الخزانة الأميركية في صباح اليوم التالي ليوم الانتخابات، وهذا يعكس توقعات النمو الاقتصادي القوي وارتفاع الديون والتضخم إلى عنان السماء. فيما يتعلق بالمناخ، والسياسة البيئية بشكل خاص، تُـعَـد عودة ترامب إلى البيت الأبيض لولاية أخرى نبأ سيئا بوضوح، ويتفاقم الأمر سوءا بسبب حالة انعدام اليقين الشديدة بشأن السياسات والإشارات المختلطة قطعا، وخاصة في الحالات حيث قد يحاول ترامب الوقوف في طريق اتجاهات تكنولوجية وسوقية أكبر. لنتأمل هنا المركبات الكهربائية، يصور ترامب نفسه على أنه نصير محرك الاحتراق الداخلي، فيقول إنه سيزيل قواعد انبعاثات العوادم في «اليوم الأول»، وسيكون القيام بذلك في حدود سلطته، وقد يوفر بعض الدعم لحياة صناعة آخذة في الاضمحلال، وفي الوقت ذاته، قفزت أسهم تيسلا بنسبة 15% بمجرد الإعلان عن نتائج الانتخابات، حيث راهن المستثمرون بوضوح على أن الشركة ستستفيد من إنفاق رئيسها التنفيذي إيلون ماسك أكثر من 100 مليون دولار من ماله الخاص للمساعدة في نجاح ترامب في الانتخابات.
كل هذا يحدث في وقت حيث تُـظهِـر المركبات الكهربائية تفوقها الجوهري على التكنولوجيا التي سبقتها، وتحول المركبات الكهربائية 90% من قوتها إلى مسافة مقطوعة، مقارنة بنحو 20% فقط للمركبات التي تعمل بالبنزين، وفي حين تعتمد مكاسب الكفاءة الكاملة على مقدار الكهرباء المستمدة من مصادر الطاقة المتجددة، فإن حتى محطات الطاقة التي تعمل بإحراق الفحم أكثر كفاءة من محرك الاحتراق الداخلي. في ولاية ويست فرجينيا، حيث يأتي حوالي 90% من الطاقة من الفحم، تعمل المركبات الكهربائية على تقليل التلوث الكربوني بنحو 30%، وتبلغ مكاسب الكفاءة الأميركية بالفعل نحو 50% في المتوسط، وتتجه نحو الزيادة.
وعلى هذا فإن الفيزياء الأساسية تملي أن أي محاولة من جانب ترامب للوقوف في طريق التحول إلى المركبات الكهربائية محكوم عليها بالفشل، ومع ذلك، لا يزال بإمكانه أن يُـحدِث قدرا عظيما من الضرر على طول الطريق، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالقدرة التنافسية الأميركية، إذ تواجه شركات صناعة السيارات الأميركية بالفعل منافسة شرسة من الصين وأماكن أخرى، ولن يؤدي أي تراجع في السياسة الأميركية بشأن المركبات الكهربائية أو غيرها من التكنولوجيات النظيفة إلى الحد من التوسع الصناعي الأخضر في بقية العالم. وبالفعل، أكثر من نصف السيارات المسجلة حديثا في الصين مركبات كهربائية أو هجينة تعمل بالكهرباء، أكثر من ضعف المتوسط العالمي، والولايات المتحدة متأخرة في هذا الصدد، كما يضمن فوز ترامب أنها ستظل متأخرة لبعض الوقت في المستقبل، ولن يفلح فرض رسوم جمركية تتراوح بين 10% و20% على كل الواردات، ورسوم جمركية بنسبة 60% على السلع الصينية، في حماية الشركات المصنعة المحلية، كما يَـدّعي. لقد فرض ترامب بالفعل رسوما جمركية بنسبة 25% خلال رئاسته الأولى، ولم يحقق ذلك أي شيء لمساعدة شركات صناعة السيارات الأميركية على الإعداد لمستقبل كهربائي، كما لم تفعل تعريفات إدارة بايدن بنسبة 100% على المركبات الكهربائية الصينية أي شيء.
وقد تكون الجهود التي يبذلها ترامب لوقف التحول إلى الطاقة المنخفضة الكربون أشد عبثية عندما يتعلق الأمر بالطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وغير ذلك من التكنولوجيات المنخفضة الكربون. هنا أيضا، تهيمن الصين على السوق العالمية، حيث تنتج 97% من الرقائق الشمسية، و85% من الخلايا الشمسية، و80% من وحدات الطاقة الشمسية، لهذا السبب حاولت إدارة بايدن، من خلال قانون خفض التضخم، نقل بعض سلاسل توريد الطاقة المتجددة إلى الداخل من خلال دعم التصنيع المحلي. أدى هذا إلى إنشاء مشاريع مثل Illuminate USA، وهو مشروع مشترك مع شركة تصنيع الطاقة الشمسية الصينية LONGi في باتاسكالا بولاية أوهايو، ومن المتوقع أن يُـجَـمِّـع المصنع أكثر من تسعة ملايين لوحة شمسية سنويا، وهو ما يكفي لإمداد مليون منزل أميركي بالطاقة.
قد تكون إدارة ترامب راغبة في مواصلة الإعفاء الضريبي للإنتاج بموجب قانون خفض التضخم، والذي يدعم نحو 25% من تكاليف شركة Illuminate. ولكن في كلتا الحالتين، سيكون لنهج ترامب تأثيرات ملموسة بشكل أساسي على 1000 من سكان أوهايو الذين يوظفهم المصنع الآن، وسيكون التأثير على سوق الألواح الشمسية العالمية ضئيلا، وستجد شركة LONGi ببساطة السبل لتصنيع الألواح بتكلفة أقل في مكان آخر إذا احتاجت إلى ذلك. بطبيعة الحال، يستطيع ترامب أن يعترض سبيل نشر مصادر الطاقة المتجددة محليا أيضا. فقد قال إنه سيوقف تأجير طاقة الرياح البحرية، وقد خسرت أسهم شركتي إنتاج توربينات الرياح Ørsted وVestas ما يقرب من القدر ذاته الذي كسبته شركة تيسلا بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، كما ستزيد إدارة ترامب من صعوبة ربط مصادر الطاقة المتجددة الجديدة بالشبكة، وستحاول إطالة عمر بنية الوقود الأحفوري الأساسية العتيقة، في حين تمنح المال لأصحاب المصالح الخاصة. لكن مثل هذه التكتيكات لن تؤدي إلا إلى تأخير ما هو حتمي.
أثناء إدارته الأولى، حاول ترامب إحياء قطاع الفحم المحلي، لكنه فشل، كان الفحم في طريقه إلى الخروج قبل فترة طويلة من توليه منصبه، ومنذ ذلك الحين، تسارع انحدار الصناعة، كان هذا التحول بقيادة ولايات مثل تكساس، التي تجاوزت مؤخرا ولاية كاليفورنيا في إجمالي الطاقة الشمسية المثبتة على نطاق المرافق.
أجل، يستطيع ترامب أن يُـحـدِث قدرا عظيما من الضرر، وسيفعل، بما في ذلك في مجال الصحة العامة من خلال التراجع عن القواعد والضمانات البيئية، فخلال فترة ولايته السابقة، ألغى أكثر من 125 قاعدة من هذا القبيل، والتي أعيد تأسيس معظمها في عهد بايدن. وهذه المرة، سيكون أشد قسوة وفعالية في ضمان استمرار عكس مسار التقدم. في عام 2019، كان ما يقدر بنحو 22000 وفاة إضافية في الولايات المتحدة راجعا إلى مستويات أعلى من تلوث الهواء المحلي، وسوف تصبح هذه الأرقام الوضع المعتاد الجديد.
لكن بايدن أصلح الضرر الذي أحدثه ترامب على جبهة المناخ، ثم ذهب إلى أبعد من ذلك، كانت سياسات المناخ التي انتهجتها الإدارة المنتهية ولايتها أكثر طموحا مما اقترحه السيناتور الأميركي بيرني ساندرز في برنامجه الرئاسي لعام 2016، وكانت استراتيجية بايدن، التي ترسخت بفعل قانون خفض التضخم، بداية لسباق التكنولوجيا الخضراء في الولايات المتحدة. الواقع أن ترمب قادر على عرقلة الصناعات المحيلة في سعيها إلى اكتساب مواقف مواتية في هذه المنافسة العالمية، وسيفعل، لكنه لا يستطيع إيقافها.
* جيرنوت فاغنر خبير الاقتصاد المناخي في كلية إدارة الأعمال بجامعة كولومبيا.