أما وقد ظهرت نتائج الانتخابات الأميركية الأخيرة، وفاز المرشح الجمهوري رونالد ترامب بمنصب الرئيس الأميركي الجديد، وعاد مجددا ليشغل منصبه في البيت الأبيض لأربع سنوات جديدة، بعد أن احتل هذا المنصب بين أعوام 2017-2024، نود أن نسجل بعض الملاحظات على هامش هذه الانتخابات وقد هدأت قليلا الأصوات السياسية والتحليلية والإعلامية التي سبقت وصاحبت هذه الانتخابات وخفت حدتها في الأيام الأخيرة.

أولى الملاحظات، نعتقد أن المجتمع الأميركي ليس مستعداً بعد لاختيار سيدة لتشغل منصب رئيس الولايات المتحدة الأميركية، كانت التجربة الأولى مع هيلاري كلينتون التي خسرت الانتخابات أمام رونالد ترامب عام 2017، وتكررت التجربة لتخسر هذا العام كامالا هاريس الانتخابات الرئاسية أمام المرشح نفسه، فقد نجح ترامب في كلتا التجربتين أمام سيدتين، ولكن يجب ألا نهمل العوامل والأوضاع السياسية والاجتماعية التي سمحت له بهزيمتهما، وليس الأمر متعلقا بشخصيتهما بالدرجة الأولى ولكن بهذه العوامل والأوضاع، ونضيف إليها عدم تقبل المجتمع الأميركي وصول سيدة إلى البيت الأبيض كرئيسة للولايات المتحدة الأميركية، ولكن يقبل هذا المجتمع زوجة الرئيس كسيدة أولى، ويحتفظ تاريخ البيت الأبيض بذكرى سيدات تركن بصماتهن على صفحات هذا التاريخ، والمثال الذي يحضرني هو جاكلين كيندي زوجة الرئيس الأميركي جون كيندي الذي تم اغتياله في مدينة دالاس بولاية تكساس الأميركية في 22/11/1963 قبل أن يكمل ولايته، وأستحضر بهذه المناسبة ما قاله كيندي في مطار أورلي القريب من باريس حين وصل إليه وزوجته في زيارة رسمية لفرنسا في شهر مايو من عام 1961، قال وقتها: أنا الرجل الذي بصحبه جاكلين كيندي، وكأنها هي المحتفى بها مقدرا شعبيتها الكبيرة في فرنسا كونها من أصول فرنسية، وإذا كنا نعتقد أن الشعب الأميركي ليس مستعدا بعد لتحتل سيدة منصب الرئيس في البيت الأبيض، فالشعب الفرنسي ليس مستعدا هو الآخر وحتى الآن لاختيار سيدة لتشغل منصب رئيس الجمهورية الخامسة، وتحتل مكانها في قصر الإليزيه، وخير شاهد على ذلك هو خسارة الاشتراكية سوجالين رويال في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2007 والتي فاز بها اليميني نيكولا ساركوزي.

Ad

ثاني الملاحظات هو أن رونالد ترامب ليس أول رئيس أميركي يُعاد انتخابه لولاية جديدة وبشكل غير متتال، فقد سبقه الأميركي غروفر كليفلاند الذي شغل منصب الرئيس الأميركي الثاني والعشرين أعوام 1885-1889، وانتخب مجددا لهذا المنصب ليصبح الرئيس الرابع والعشرين أعوام 1893-1897، ليصبح كليفلاند أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يُنتخب لفترتين غير متتاليتين، وتتجدد التجربة مع رونالد ترامب الذي انتخب رئيسا لأول مرة عام 2017، وانتُخب مجددا لفترة ولاية ثانية غير متتالية تبدأ عام 2025.

آخر الملاحظات، أظهرت الانتخابات الأميركية الرئاسية منها والبرلمانية اهتماما سياسيا وإعلاميا بأصوات العرب والمسلمين، ونُشرت عدة إحصاءات قبل هذه الانتخابات وبعدها تتعلق بهذه الأصوات ومدى مشاركتها في العملية الانتخابية، سواء لهذا المرشح أو ذاك، أو حتى الامتناع عن التصويت كنوع من الاحتجاجات، وتبيان توجهات أصحابها وتطلعاتهم، وهذا يشير إلى أن هذه الأصوات أدت دورا ولو متواضعا في هذه العمليات الانتخابية، ونأمل أن تؤدي أدورا أكبر في الانتخابات القادمة، فالوجود على أراضي أي دولة وبخاصة لمن يحملون جنسيتها يجب ألا يبقى محصورا بالتحصيل العلمي وبالأعمال التجارية والمالية، بل يجب أن يمتد للمشاركة في الحياة السياسية والبحث عن مستقبل أفضل لأبناء من اختاروا أن يهاجروا ويقيموا في بلدان مختلفة، من خلال المشاركة في مختلف الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية أو كلتيهما، وهو واجب كل المواطنين أينما وجدوا، وسيبقى دليلا، من بين أدلة أخرى، على حسن اندماجهم في البلدان التي اختاروا أن يعيشوا ويقيموا فيها.

* أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا.