في أواخر عام 2022 عدّلت اللائحة التنفيذية لقانون الشركات، وأضيفت مادة تلزم الشركات المساهمة باقتطاع نسبة 1 بالمئة من أرباحها السنوية، وتوريدها لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي، بهدف توفير الدعم المالي للمؤسسة، وقد أثار هذا التعديل الأخير للائحة التنفيذية لقانون الشركات جدلا قانونيا حول الطبيعة القانونية لهذا الاستقطاع المفروض باللائحة ومدى إمكانية تكييفه بوصفه ضريبة عامة. وفي هذه الدراسة نناقش الطبيعة القانونية لهذا الاستقطاع، والآثار القانونية المترتبة على هذا التكييف.

أولًا - الطبيعة القانونية للاقتطاع المالي لمصلحة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي قبل تعديل اللائحة التنفيذية لقانون الشركات.

Ad

في ديسمبر عام 1976 صدر مرسوم بالاعتراف بالشخصية المعنوية لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي، وقد أكد المرسوم مباشرة المؤسسة لنشاطها، وفقًا لسند إنشائها الموثق في إدارة التسجيل العقاري والتوثيق، وتهدف المؤسسة لتقديم العون للباحثين، وتقديم المنح الدراسية والتدريبية والجوائز التشجيعية لهم، وقد نص سند إنشاء المؤسسة صراحةً على كون المؤسسة مؤسسةً خاصة، كما بين سند إنشاء المؤسسة الموثق بإدارة التسجيل العقاري - الذي يُعد نظامها الأساسي - أغراض المؤسسة، ومواردها المالية، وطريقة إدارتها.

وفيما يتعلق بموارد المؤسسة المالية، فقد نصت عليها المادة السادسة على النحو الآتي: «ب - 5 بالمئة كحدٍ أدنى من صافي الأرباح السنوية للشركات المساهمة الكويتية»، وقد عدلت هذه النسبة بقرارٍ من مجلس إدارة المؤسسة لتصبح 1 بالمئة بدلًا من 5 بالمئة بصورة تدريجية، فقد خفض مجلس إدارة المؤسسة نسبة الإسهام من 5 إلى 2 بالمئة عام 1998، ثم أعاد تخفضيها إلى نسبة 1 بالمئة عام 2002، وذلك بتوجيه من سمو الأمير.

فما مدى اختيارية إسهام الشركات المساهمة الكويتية بدفع حصة المؤسسة، وما الأساس القانوني لذلك؟ نرد بأن الإجابة تختلف بالنسبة للشركات الموقّعة على سند الإنشاء عنها بالنسبة للشركات غير الموقّعة على السند، وبدايةً نؤكد أن المرسوم اعترف بالشخصية المعنوية للمؤسسة فقط، أما سند الإنشاء فلم يصدر بمرسوم، بل إن التكييف الدقيق لسند الإنشاء هو أنه عقد بين أشخاص قانون خاص تعاقدوا على إنشاء مؤسسة تعنى بالبحث العلمي، ونظّم هذا العقد إدارة المؤسسة وكيفية تمويلها، وقد وثّق سند إنشائها بإدارة التسجيل العقاري، لذلك فبالنسبة للشركات المساهمة التي وقّعت على سند إنشاء المؤسسة، وعددها 63 شركة، نجد أن مصدر التزامها هو العقد، أما بالنسبة للشركات غير الموقّعة فمن الصعب القول بالتزامها بدفع هذه الحصة وفقًا لمبدأ نسبية أثر العقد.

وتأسيساً على ما سبق، ونظراً لعدم وجود أي تنظيمٍ قانونيٍ آخر يلزم الشركات المساهمة بدفع حصة المؤسسة قبل تعديل اللائحة التنفيذية لقانون الشركات، نطمئن للقول بأن الشركات المساهمة الكويتية غير الموقّعة كانت تدفع هذه الحصة تطوعًا، لإيمانها برسالة المؤسسة.

ثانيًا - الطبيعة القانونية للاقتطاع المالي لمصلحة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي بعد تعديل اللائحة التنفيذية لقانون الشركات.

أصدر وزير التجارة حديثًا قرارًا بتعديل اللائحة التنفيذية لقانون الشركات يلزم الشركات المساهمة بأن تتضمن ميزانيتها بندًا يعادل 1 بالمئة من الأرباح السنوية للشركة لمصلحة المؤسسة وتوريدها للمؤسسة، واستحدثت اللائحة التنفيذية حكمًا على النحو التالي: «1- يجب أنْ تتضمن ميزانية الشركة المساهمة بندًا يقضي باحتساب نسبة 1 بالمئة من الأرباح السنوية الصافية للشركة لمصلحة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، وفقًا للمرسوم الأميري الصادر بتاريخ 12 ديسمبر 1976، بالاعتراف بالشخصية المعنوية لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي.

2 - يتم اقتطاع النسبة المنصوص عليها في الفقرة السابقة سنويًا وتوريدها للمؤسسة».

وهذا النص في حقيقته يولّد التزامين على الشركات: الالتزام الأول بأن تقتطع نسبة 1 بالمئة من الأرباح الصافية السنوية للشركات لمصلحة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، والالتزام الثاني بأن تورد هذا الاستقطاع للمؤسسة، أي أن اللائحة ألزمت الشركات بصورةٍ غير مباشرة باستقطاع مبلغٍ مالي من أرباحها (و) ألزمتها بصورةٍ مباشرةٍ بتوريد المبلغ للمؤسسة.

فهل يعد هذا الاستقطاع ضريبةً؟

ـ تعرف الضريبة بأنها فريضة إجبارية نهائية تدفع دون مقابل وفقًا للمقدرة التكليفية لدافعي الضريبة. وفيما يلي نبيّن الخصائص التي تميز الضريبة عن غيرها من الإيرادات العامة:

1. الضريبة فريضة إجبارية، فهي لا تدفع طواعيةً.

2. الضريبة تدفع بصورةٍ نهائية غير قابلة للاسترجاع.

3. الضريبة فريضة تدفع دون وجود مقابلٍ مباشرٍ يتمتع به دافع الضريبة، وذلك خلافًا للرسوم العامة التي تكون مقابل خدمة.

4. الضريبة تدفع وفقًا للمقدرة التكليفية.

وبتطبيق هذه العناصر المميزة للضريبة على حصة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي نجد أن:

1. حصة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي أضحت بعد تعديل اللائحة التنفيذية تدفع جبرًا من قبل الشركات، وذلك بناءً على النص الوارد في اللائحة، لا بصورةٍ طوعيةٍ، كما هي الحال قبل تعديل اللائحة، فعنصر الإجبار في حالة الحصة يتمثل بوجود نصٍ قانونيٍ يلزم الممول بدفع الحصة تمامًا كالضريبة، وتشرف وزارة التجارة على تطبيق الشركات لهذا الالتزام.

2. الحصة تدفع بصورةٍ نهائيةٍ غير قابلةٍ للاسترداد بأي صورةٍ، فبمراجعة اللائحة التنفيذية لقانون الشركات يتبيّن أن حصة المؤسسة غير مستردة، فالشركات الملزمة بدفعها يجب أن تستقطعها وتورّدها لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي، ولم تنظم اللائحة التنفيذية - أو أي قرارٍ آخر - آليةً محددةً لاسترجاع الحصة، وهو ما يعني عدم قابلية هذا الاستقطاع للاسترجاع بأي صورة كانت.

3. لا يحصل دافع حصة المؤسسة على ميزةٍ خاصةٍ، كما لا يوجد مقابل مباشر تحصل عليه الشركات عند دفعها للحصة، فلا تحصل الشركات على أي مقابلٍ أو منفعةٍ مباشرةٍ كالسلع والخدمات عند دفعها للحصة، حيث إن غلة الاستقطاع المالي محل الدراسة مخصصة لتمويل أهداف المؤسسة، لذا فالنفع الذي يعود به نشاط المؤسسة لا يخص الشركات الدافعة للضريبة، وقد لا تستفيد منه أصلًا، بل هو نفع عام يعود على المجتمع عامة نتيجة دعم البحث العلمي، لذا فقد تنعدم العلاقة التبادلية بين حصة المؤسسة المدفوعة من قبل الشركات المساهمة وبين أي نفعٍ خاصٍ يعود عليها، وهو ما يُعد إحدى الخصائص المميزة للضريبة.

4. حصة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي تتشابه مع الضريبة في مراعاتها للمقدرة التكليفية للممولين، فبالرجوع إلى حصة المؤسسة نجد أنها اتبعت أسلوب فرض الاستقطاع بمعدلٍ نسبيٍ بالنظر للأرباح السنوية، وهو ما يُعد ترجمةً لفكرة القدرة على الدفع، فالنص محل الدراسة يلزم الشركات المساهمة بدفع ما يعادل 1 بالمئة من أرباحها السنوية للمؤسسة، وهو ما يعبّر عن فكرة مبدأ القدرة على الدفع.

وبناءً على ما سبق يكيف الاقتطاع المالي لمصلحة المؤسسة على أنه ضريبة، أما الحجج التي يرددها البعض من أن الإدارة الضريبية بوزارة المالية ليست الجهة المسؤولة عن تحصيلها، وعدم دخول هذه الأموال لخزانة الدولة فلا يؤثر على تكييفها القانوني بوصفها ضريبة.

ثالثًا - أهمية تكييف الاقتطاع المالي لمصلحة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي على أنه ضريبة.

أ ـ يثير هذا الاستقطاع شبهات دستورية، أهمها وجود شبهات دستورية تحوم حول إلزام الشركات باقتطاع نسبة من أرباحها تأسيسا على اللائحة التنفيذية للقانون ومدى توافق ذلك مع أحكام المادة 134 من الدستور الكويتي التي توجب فرض الضرائب العامة بقانون. وهناك أيضًا شبهات دستورية حول تخصيص نسبة من أرباح الشركات لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي بقرار إداري وفقًا لأحكام المادة 141 من الدستور الكويتي المتعلقة بمبدأ شيوع الميزانية التي تقرر أن تخصيص الإيرادات العامة لنفقة معينة لا يكون إلا بقانون.

ب ـ يترتب على اعتبار هذا الاقتطاع المالي ضريبة ضرورة دراسة مدى اعتبارها من الضرائب التي تشملها المادة الثانية من اتفاقيات تجنّب الازدواج الضريبي.

ج ـ يترتب على اعتبار هذا الاقتطاع المالي ضريبة ضرورة دراسة مدى كونها إحدى الضرائب الداخلة في مجال تطبيق اتفاق الحد الأدنى العالمي للضريبة، الذي أعلنت الكويت عزمها على تطبيقه التزامًا بانضمامها إلى الإطار الشامل لاتفاق تآكل القاعدة الضريبية وتحويل الأرباح التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

د ـ إن أي إصلاح لنظام ضريبة الشركات يجب أن يأخذ بعين الاعتبار العبء الضريبي الواقع على الشركات بسبب هذه الضريبة.