عبر تسمية مجموعة من المرشحين «غير التقليديين» في مناصب مفصلية، اتخذ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب هذا الأسبوع خطوات للدفع نحو هدف أوسع، وهو إعادة تنظيم توازن القوى في النظام الأميركي بحيث يصبح البيت الأبيض مركز السلطة، وفق ما ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال».
وهدّد ترامب بتقويض سلطات الكونغرس في تأكيد تعييناته وتمرير الميزانية، وهما السلطتان الأهم لغرفتيه، مجلس الشيوخ والبرلمان. وطالب مجلس الشيوخ بأن يسمح لمرشحيه بمباشرة وظائفهم، متجاوزين جلسات الاستماع والتأكيد. ولوّح بأن يحجز أو يرفض إنفاق الأموال التي خصصها الكونغرس للبرامج التي يرفضها بنفسه، وهي الخطوة التي قد تتطلب منه إلغاء القانون الحالي في المحكمة.
«جنرالات الووك»
ويدرس فريق انتقال ترامب خطة لتجاوز نظام الترقية المعتاد في البنتاغون، عبر مشروع أمر تنفيذي من شأنه أن ينشئ لجنة لتقييم الضباط. وإذا وقّع ترامب على هذا الأمر، فسيعبد الطريق أمامه لطرد ما يسميه «جنرالات الووك» (أو المتنورون)، أولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم يعززون التنوع في الرتب على حساب الجاهزية العسكرية.
من جهتهم، استعد قادة بنك الاحتياطي الفدرالي لإقالة رئيس مجلس البنك جيروم باول، بينما ينتظر مسؤولون في وكالات حكومية لمعرفة ما إذا كان ترامب سيفي بوعده كبح جماح الوكالات المستقلة، مثل لجان التجارة والاتصالات، وإخضاعها لسلطة رئاسية أكبر، لاسيما وأنه قال أثناء حملته إنه «لا يجوز لهذه الوكالات أن تصبح فرعاً رابعاً للحكومة».
كما تعهد ترامب باتخاذ خطوات لتقويض سلطة شركات الإعلام التقليدية، داعياً الحكومة إلى إلغاء تراخيص بعض هيئات البث. وقد رفع دعاوى قضائية ضد صحيفة «واشنطن بوست» وشبكة «إيه بي سي» بتهمة التشهير، وضد شبكة «سي بي إس» بسبب مقابلة مع منافسته الرئاسية، نائبة الرئيس كامالا هاريس.
وبالنسبة للجمهور الأميركي، الذي صوّت للتوّ لمصلحة التغيير في واشنطن، أظهر ترامب وفريقه أنهم يدفعون ليس فقط من أجل إجراء تعديلات، ولكن من أجل إعادة تشكيل الحكومة وهياكل السلطة فيها بشكل كبير.
سيطرة على السلطة
وقال السناتور الجمهوري السابق جون دانفورث إنه «من الواضح أن ترامب يريد السلطة للإطاحة بالممارسات الراسخة للحكومة»، مرجحاً أن يشكل التحايل على مجلس الشيوخ بشأن التعيينات «انتهاكًا للدستور».
من جانبه، ذكر المساعد الديموقراطي آدم جينتلسون أنه «من المستحيل أن ننظر إلى الصورة الكبيرة هنا ولا نرى رئيساً عازماً على السيطرة على مستوى غير مسبوق من السلطة».
في المقابل، رحب السيناتور الجمهوري راند بول بنية ترامب تقليص الحكومة «لأن حكومتنا كبيرة جداً، ويجب أن تكون أصغر بكثير»، في حين رفضت المتحدثة باسم فريق انتقال ترامب التعليق على الموضوع.
وشهد الأسبوع الماضي إشارات متباينة حول ما إذا كان فوز ترامب الساحق في الانتخابات الرئاسية وهيمنته على الحزب الجمهوري سيدفع المشرعين إلى الموافقة على مطالبه والاستسلام للوعود التي قطعها كمرشح لمحاولة تحويل المزيد من السلطة إلى المكتب البيضاوي.
ورجح جمهوريون أن يرفض مجلس الشيوخ تأكيد تعيين مات غيتز، الذي اختاره الرئيس المنتخب لقيادة وزارة العدل، بسبب ملاحقته بتهم جنسية، في حين لم ترد إشارات حول منع مرشحين آخرين مثيرين للجدل، كوزير الصحة روبرت كينيدي، ووزير الدفاع بيت هيغسيث ومديرة وكالة الاستخبارات تولسي غابارد، التي شككت في تقييمات استخباراتية أميركية مهمة.
ولم يؤكد زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ جون ثون ما إذا سيعارض حزبه محاولة ترامب إلغاء عملية التأكيد، وسط تحذيرات من أن الرئيس المنتخب يقود مناورة جديدة لإجبار مجلس الشيوخ على تأجيل عودته، وهو شرط مسبق للرئيس لإجراء تعيينات أثناء العطلة.
مناورة قانونية
ومن غير الواضح ما إذا كانت مثل هذه المناورة سليمة من الناحية القانونية، لكن في ظلّ حكومة فيدرالية بسيطرة جمهورية كاملة، فإن الحاجز الوحيد أمامها هو بعض النواب الجمهوريين، مثل مايك سيمبسون الذي رفض صراحة تجاوز مجلس الشيوخ «عمداً».
كما يشعر الكونغرس بقلق من احتمال أن يفي ترامب بوعده بشأن تقويض قانون مراقبة الحجز لعام 1974، والذي أقره الكونغرس بعد فشل الرئيس ريتشارد نيكسون في إنفاق الأموال كما خصصها المشرعون.
ووصف ترامب هذا القانون بأنه غير دستوري ووعد بإلغائه، وقال «لمدة 200 عام في ظل نظامنا الحكومي، لم يكن هناك شكّ في أنه لدى الرئيس السلطة الدستورية لوقف الإنفاق غير الضروري من خلال ما يعرف بالحجز».
واعتبر مدير الموظفين السابق لرئيس لجنة الميزانية في مجلس الشيوخ، الجمهوري بيل هوغلاند أن مثل هذه الخطوة «ستكون تحولاً كبيراً. من الواضح أنها ستنقل التحكم في الأموال إلى السلطة التنفيذية»، فيما يخشى البعض أن يتصرف ترامب، حتى بدون موافقة المحكمة، لوضع التوصيات التي سيقدمها الملياردير إيلون ماسك لخفض النفقات الحكومية والبيروقراطية.
وتعزز إجراءات مماثلة أقدم عليها ترامب خلال ولايته الأولى هذه المخاوف، فقد حجب الأموال التي خصصها الكونغرس لأوكرانيا وضغط على كييف للتحقيق مع ابن جو بايدن، منافسه المحتمل في العام 2020. وقد أدت هذه الإجراءات إلى عزله من قبل مجلس النواب في 2019، لكن مجلس الشيوخ رفض إدانته.
كما حوّل ترامب أموالاً من الميزانية العسكرية دون موافقة الكونغرس لدفع تكاليف بناء جدار على طول الحدود مع المكسيك. وفي النهاية سمحت المحكمة العليا بالبناء بينما كانت التحديات القانونية جارية في محكمة أدنى.
وبينما أيّد مساعيه لتقليص الحكومة، اعتبر السيناتور الجمهوري جود غريغ أن ترامب أخطأ في اختيار مرشحين لا يتمتعون بالخبرة المناسبة، مشيراً إلى أن المرشح لمنصب وزير الدفاع هيغسيث، على سبيل المثال «سيقضي سنوات لمعرفة مكان مكتبه، فالبنتاغون مؤسسة قائمة بذاتها، وإذا كنت لا تعرف الألعاب التي تُلعب في جميع أنحائها، فستواجه وقتاً عصيباً في تغييرها».