وسط تسريبات عن تحضير إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لخطوات تنفيذية تهدف إلى ممارسة «أقصى ضغط» على إيران، بهدف حرمانها من أهم مصادر دخلها، ودفعها نحو الإفلاس بأقرب وقت ممكن، بُعيد تنصيبه في 20 يناير المقبل، اعتبر وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أن هناك فرصة لمعالجة قضية البرنامج النووي لبلاده عبر الدبلوماسية، لكنّها «محدودة»، ملوّحاً بتدابير انتقامية تتعلق ببرنامج طهران الذرّي «لن تروق» للقوى الغربية، إذا أصدر مجلس حكماء الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارا ضدها.
وقال عراقجي للتلفزيون الرسمي، بعد زيارة لإيران أجراها مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافاييل غروسي، ليل السبت ـ الأحد: «إن الملف النووي الإيراني سيكون في السنة المقبلة حساساً ومعقّداً، لكننا جاهزون لمواجهة أي سيناريو وظروف».
وأضاف أن طهران ستكون مستعدة لكل من «المواجهة» أو «التعاون»، وفق المسار الذي يقرر الطرف الآخر اتباعه، في إشارة إلى «الترويكا الأوروبية» التي تضم ألمانيا وفرنسا وبريطانيا.
وكرر الوزير نفي حكومته لعقد الملياردير إيلون ماسك (حليف ترامب) اجتماعاً مع السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة، سعيد إيرواني، خلافاً لما أكده مصدر مطلع لـ «الجريدة» بشأن انعقاد اللقاء من باب حل خلاف بين شركة خدمات الإنترنت المملوكة لماسك والحكومة الإيرانية، حيث نقل رسالة إلى الإيرانيين مفادها بأن الرئيس المقبل يدعوهم للتعاون معه بشأن خطة لإرساء السلام في المنطقة أو التنحي جانباً لتفادي الصدام معه.
تلويح ذرّي
وبينما تعتبر المحادثات في طهران مع مدير الوكالة التابعة للأمم المتحدة، إحدى الفرص الأخيرة للدبلوماسية قبل عودة ترامب في يناير المقبل إلى البيت الأبيض، واحتمال لجوء الترويكا الأوروبية للاصطفاف معه ضد طهران من أجل إعادة جملة العقوبات الدولية ضد طهران تحت البند السابع الذي يخول استخدام القوة ضدها، دعا عضو البرلمان الإيراني، أحمد نادري، إلى تعديل العقيدتين النووية والعسكرية لبلاده.
وقال نادري: «أعتقد أنه يجب علينا إجراء اختبار للقنبلة الذرية، ولا يوجد أمامنا خيار آخر، لأن التوازن في المنطقة غير متكافئ».
وأَضاف البرلماني الإيراني أن التوازن العسكري في منطقة الشرق الأوسط لن يتحقق حتى تمتلك كل من إيران وإسرائيل أسلحة متكافئة من حيث القوة.
وتابع: «إسرائيل تمتلك عدداً غير معروف من الرؤوس النووية التي يمكنها إطلاقها في أي لحظة إلى أي مكان تريده، بالتالي لا يوجد سبب لنا للبقاء بلا سلاح مماثل في القوة، لذلك يجب أن نتجه نحو تطويره. هذا ليس رأيي ورأي عدد من النواب فقط، بل هو أيضاً رأي الشعب الإيراني». ويأتي هذا التصعيد في وقت يترقب المجتمع الدولي اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي يتوقع أن يصوّت على قرار يدين إيران بسبب افتقارها إلى التعاون مع الوكالة.وفي الوقت ذاته، هناك مخاوف من زيادة طهران تخصيب اليورانيوم من 60 إلى 90 بالمئة، وهو المستوى المطلوب لصنع الأسلحة النووية.
من جانب آخر، ورغم تأكيد السلطات الإيرانية خلال الأيام الماضية أن انتخاب ترامب لن يغيّر الكثير في العلاقات بين البلدين، عاد إلى الواجهة ما قد يغيّر هذا المبدأ، إذ نفى مصدر مطلع لوكالة فارس ما ذكرته «وول ستريت جورنال» حول تقديم إيران ضمانات خطية بعدم متابعة أي إجراء ضد ترامب بخصوص اغتيال قاسم سليماني بالعراق عام 2020، بضربة أميركية وافق عليها ترامب خلال ولايته الرئاسية الأولى.
وأضاف المصدر أن الرسالة التي نقلتها إيران إلى واشنطن أكدت فيها مواصلة السعي وعدم التراجع عن محاسبة قتلة سليماني ضمن المسارات القضائية الدولية.
وفي حين أكدت «وول ستريت» أن الضمانة الإيرانية بعدم ملاحقة ترامب جاءت بعد تحذير أميركي خاص مكتوب نقل إلى طهران في سبتمبر الماضي، أشار المصدر الإيراني لـ «الجريدة» أن إيرواني طمأن ماسك بأن بلده تنتهج نهجاً براغماتياً، وستتابع محاسبة قتلة سليماني عبر القنوات القانونية.
ومع بروز احتمالات تصدّر القضية النووية الإيرانية المشهد المشتعل في المنطقة على وقع استمرار حربَي لبنان وغزة، نقل موقع أكسيوس الأميركي عن مسؤولين إسرائيليين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيطلب دعم ترامب لاتخاذ خطوات «أكثر صرامة» ضد الجمهورية الإسلامية، بما في ذلك العمل العسكري، لمنعها من تطوير برنامجها الذري.
ووصف المسؤولون الإسرائيليون مجمع بارشين العسكري الإيراني الذي سبق أن استهدفته إسرائيل بغارة جوية، أواخر أكتوبر الماضي، بأنه «عنق زجاجة» في برنامج إيران للأبحاث النووية، وقالوا إنه من دونها سيكون من الصعب على إيران تطوير جهاز نووي إذا اختارت القيام بذلك.
وأعرب المسؤولون الإسرائيليون عن اعتقادهم بأن فوز ترامب في الانتخابات «جعل الإيرانيين يعيدون التفكير في ردهم على الضربة الإسرائيلية الأخيرة». وكان الموقع نقل عن متحدث باسم السيناتور الجمهوري القريب من ترامب، ليندسي غراهام، أن الأخير قال لنتنياهو خلال اجتماع حضره وزير الدفاع الجديد، إسرائيل كاتس، في القدس، أمس الأول: «افعل ما عليك فعله» من أجل منع طهران من الحصول على سلاح نووي. ونقل الموقع عن بيان السيناتور الجمهوري البارز بعد الاجتماع أنه «من مصلحة أميركا ضمان عدم امتلاك النظام الإيراني سلاحا نوويا. هذه لحظة حرجة وخطيرة لأصدقائنا في إسرائيل والعالم بأسره. من الضروري أن يُنظر إلى الولايات المتحدة ويُسمع صوتها على أنها تدعم إسرائيل ضد التهديد القادم من إيران».
في هذه الأثناء، عقد وزير الدفاع الإيراني، العميد عزيز نصير زاده، اجتماعاً مع الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق، كما التقى وزير الدفاع السوري ورئيس الأركان العامة للقوات المسلحة السورية، وذلك بعد أيام قليلة من زيارة مستشار المرشد الأعلى، علي لاريجاني، الى سورية، وسط تقارير عن مساعٍ متعددة لإبعاد دمشق عن طهران.
وأكد وزير الدفاع الإيراني، الذي وصل إلى دمشق بدعوة من نظيره السوري، أنه بناءً على توصيات المرشد علي خامنئي، فإن طهران مستعدة لتقديم كل وسائل الدعم لسورية التي تتعرض لغارات إسرائيلية متواصلة تستهدف القوات النظامية والمراكز التابعة لإيران و»حزب الله» وزادت وتيرتها أخيراً.