وجهة نظر: الحضور الغيابي أسوأ من الغياب! تحديات الإنتاجية في القطاع الحكومي
تُعد ظاهرة «الحضور الغيابي» (Presenteeism) أو «الوجود الشكلي» من التحديات الكبيرة التي تواجه الإنتاجية في العديد من دول العالم.
ففي الولايات المتحدة وحدها، تكلف الشركات حوالي 150 مليار دولار سنويًا. وفي بريطانيا، يقضي الموظفون نحو 57 يومًا سنويًا في العمل من دون فعالية، مما يخلق عبئًا اقتصاديًا كبيرًا. أما في الكويت، فتتفاقم هذه المشكلة بشكل خاص في القطاع الحكومي، حيث يُجبر الموظفون على الحضور يوميًا حتى في غياب المهام، مما يؤدي إلى هدر للوقت والموارد وتعطيل كفاءة النظام الإداري.
تُعزز ثقافة العمل في القطاع الحكومي الكويتي هذه الظاهرة، إذ يُعتبر الوجود الفعلي في مكان العمل مؤشراً على الالتزام، بغضّ النظر عن الإنتاجية الفعلية. نتيجة لذلك، يقضي الموظفون ساعات طويلة في مكاتبهم من دون إسهام حقيقي، مما يضعف كفاءة العمل، ويعزز ثقافة «الحضور من أجل الحضور فقط». كما تؤثر سلبيات الحضور الغيابي على معنويات الموظفين الحكوميين، الذين يشعرون بأنهم مجبرون على الحضور دون جدوى، ما يؤدي إلى إرهاق نفسي وجسدي متزايد بسبب ساعات العمل الطويلة التي يقضونها من دون تحقيق قيمة ملموسة.
وقد أسهمت التكنولوجيا، خاصة الهواتف الذكية، في تفاقم هذه المشكلة، حيث ينشغل الموظفون بتصفح الإنترنت أو استخدام وسائل التواصل، بدلاً من التركيز على مهامهم خلال ساعات الدوام، مما يضاعف من الوقت المهدر ويزيد من تأثير الحضور الغيابي على الإنتاجية.
ولمعالجة هذه الظاهرة، يحتاج القطاع الحكومي في الكويت إلى إعادة النظر في سياساته لتعزيز ثقافة تعتمد على الإنتاجية الفعلية، بدلاً من الحضور الشكلي. ويتضمن ذلك تشجيع التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية، مما يسمح للموظفين بالراحة وتحقيق إنتاجية أعلى عندما تكون هناك حاجة فعلية للتواجد. كما يجب تطوير سياسات تقييم الأداء بالتركيز على الإنجازات الحقيقية بدلاً من ساعات الحضور، من خلال وضع مؤشرات وأهداف واضحة ومحددة للموظفين، وربط ذلك بنظام مُحكم للحوافز والمساءلة.
وإضافة إلى ذلك، ينبغي توفير دعم لسياسات الاستراحة والرعاية الصحية لضمان قدرة الموظفين على التعافي والعودة إلى العمل بنشاط، وإضافة إلى ما سبق، يجب إنهاء التوظيف السياسي الذي تنتج عنه وظائف وهمية، والتركيز على خلق فرص عمل حقيقية تستند إلى احتياجات فعلية، بما يسهم في رفع كفاءة القطاع الحكومي واستدامة الاقتصاد.