تحتفلُ سلطنة عُمان بالعيد الوطني الـ 54، وهي تحقّق إنجازات متواصلة في مسارِ التنميةِ الشاملةِ التي رسمها قائدُ نهضتها المتجدّدة السُّلطان هيثم بن طارق وَفْقَ رؤيةٍ ثابتة ومُحكمة، للمُضي قُدما في مختلف المجالات، والحفاظِ على ما تحقَّقَ مِن مُكتَسَبات.

وقد تمكّنت حكومةُ السُّلطان هيثم من تحسين أدائها الاقتصادي والمالي وخفض المديونية وزيادة الناتج المحلي الإجمالي؛ حيث سجلت الإيرادات العامة للدولة حتى نهاية أغسطس 2024 نحو 8 مليارات و106 ملايين ريال عُماني، مرتفعةً بنحو 183 مليون ريال مقارنة بتسجيل 7 مليارات و923 مليون ريال في الفترة ذاتها من 2023م.

وحققت الميزانية العامة للدّولة حتى أغسطس 2024 فائضًا بنحو 447 مليون ريال عُماني مقارنة بفائض قدره 773 مليون ريال خلال الفترة نفسها من 2023م، مع انخفاض محفظة الدَّيْن العام بنهاية الربع الثالث من 2024م إلى 14.4 مليار ريال مقارنة بـ 20.8 مليار ريال في 2021م، بالإضافة إلى إطلاق منظومة الحماية الاجتماعية من خلال توحيد التقاعد ودمج الصناديق وإعادة هيكلة المنافع. ونجحت سلطنة عُمان في خفض نسبة الدَّيْن العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من 62.3 بالمئة في 2021م إلى 35 بالمئة في منتصف 2024م وتحقيق فائض في الميزانية لسنوات متتالية مسجلة 2.7 بالمئة و2.2 بالمئة لعامي 2022 و2023 على التوالي.
Ad


التصنيف الائتماني

وأدى ذلك إلى تحسُّن التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان من قبل وكالات التصنيف الائتماني بشكل لافت للمراقبين والخبراء الاقتصاديين والماليين العالميين، إذ رفعت وكالة "ستاندرد آند بورز" في تصنيفها الائتماني الثاني عن سلطنة عُمان إلى "BBB-" من "BB+" مع نظرة مستقبلية مستقرة، وعدّلت وكالة "موديز" نظرتها المستقبلية لسلطنة عُمان من مستقرة إلى إيجابية مع تأكيد التصنيف الائتماني عند "Ba1".

وتؤكّد هذه التصنيفات أنّ سلطنة عُمان بيئة استثمارية آمنة، حيث عادت لهذه الفئة من التصنيف بعد انخفاض دام قرابة 7 سنوات (منذ عام 2017م) جرّاء تأثيرات الأزمات الناتجة عن انخفاض أسعار النفط العالمية وجائحة كورونا كوفيد-19.

وتقدّمت السلطنة في العديد من المؤشرات الدولية لتحقق قفزات نوعية في بعضها، حيث ارتفعت 39 مرتبة في مؤشر الحرية الاقتصادية 2024م الصادر عن مؤسسة "هيرتج فاونديشن" لتحل في المرتبة الـ 56 عالميًّا بعد أن كانت في المرتبة الـ 95 عالميًّا في 2023م، وفي مؤشر ريادة الأعمال جاءت في المركز الـ 11 عالميًّا متقدّمة 27 درجة عن ترتيبها في عام 2022م / 2023م، وحلت في المركز الـ 50 عالميًّا في مؤشر الأداء البيئي بعد أن كانت في المركز الـ 149 في تصنيف 2022م، وفي قطاع التعليم حققت جامعة السُّلطان قابوس تقدّمًا ملحوظًا في التصنيف العالمي للجامعات لعام 2025م لتحتل المركز الـ 362 متقدمة 92 مركزًا عن تصنيفها السابق.

وسجل حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في سلطنة عُمان حتى نهاية الربع الرابع لعام 2023م ما قيمته 25 مليارًا و50 مليون ريال عُماني بارتفاع نسبته 21.6 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من 2022م بمبلغ 20 مليارًا و590 مليون ريال. ومن أبرز الاستثمارات الحكومية ما يقوم به جهاز الاستثمار العُماني لتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص والتعاون الدولي للإسهام في تحويل سلطنة عُمان إلى وجهة استثمارية جاذبة وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة؛ حيث ارتفعت أصول الجهاز إلى 19.2 مليار ريال في عام 2023م مقارنة بنحو 17.9 مليار ريال في نهاية 2022م، وأسهم في تحقيق أرباح تجاوزت 1.7 مليار ريال، ورفد الموازنة العامة للدولة بمبلغ 800 مليون ريال، وسدّد 300 مليون ريال من قروض الشركات التابعة له قبل موعد استحقاقها في عام 2023م، ويستثمر في 13 صندوقًا عالميًّا، مثل صندوق "بلاتينيوم" الاستثماري وصندوق "البنية الأساسية العالمية" إضافة إلى استثمارات مباشرة في شركات عالمية مثل "أور نكست إنيرجي" الأمريكية و"هايساتا" الأسترالية.

مصفاة الدّقم

ومن أهم المشروعات الاستراتيجية التي تم افتتاحها مطلع العام الحالي مشروع مصفاة الدّقم والصناعات البتروكيماوية بالمنطقة الاقتصادية الخاصّة بالدقم، أكبر مشروع استثماريٍّ مشتركٍ بين سلطنة عُمان ودولة الكويت مدمجٍ بين مجموعة أوكيو العُمانية وشركة البترول الكويتية العالمية برأسمالٍ جَاوز 3 مليارات ونصف مليار ريال.

وشهدت سلطنة عُمان تنفيذ العديد من المشروعات في مجال الطاقة المتجددة، أبرزها مشروع منح للطاقة الشمسية بقدرة إنتاجية تبلغ 1000 ميغاوات ويقع في محافظة الداخلية، ومشروع محطة عبري للطاقة الشمسية بقدرة إنتاجية تبلغ 500 ميغاوات ويقع في محافظة الظاهرة، ومشروع بركاء للطاقة الشمسية بقدرة إنتاجية تبلغ 500 ميغاوات ويقع في محافظة جنوب الباطنة، ومشروع محطة أمين للطاقة الشمسية بقدرة إنتاجية تبلغ 100 ميغاوات ويقع في محافظة ظفار ومشروع صحار للطاقة الشمسية بقدرة إنتاجية تبلغ 100 ميغاوات في محافظة شمال الباطنة، ومشروع محطة ظفار لطاقة الرياح بقدرة إنتاجية تبلغ 50 ميغاوات ويقع في محافظة ظفار.

الشراكة بين القطاعين

وتمضي سلطنة عُمان قُدمًا في تعزيز الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص؛ إذ يُعدُّ القطاع الخاص الفاعل الأساس في جهود التنمية الاقتصادية ونمو الناتج المحلي الإجمالي في مختلف القطاعات خاصة المعول عليها للتنويع الاقتصادي، وباعتبار هذا القطاع رديفًا للقطاع الحكومي في التنمية الاجتماعية من خلال إسهام مؤسساته في التعليم والصحة والاستثمار الاجتماعي.

ووضعت رؤية "عُمان 2040" القطاع الخاص في موقع قيادة اقتصاد وطني تنافسي مرتبط بالاقتصاد العالمي؛ وشرع القطاع الخاص في تعزيز جهود نمو الاقتصاد الوطني من خلال استكشاف الفرص التي تحملها مبادرات التحفيز، مثل مبادرة البرنامج الوطني لتنمية القطاع الخاص والتجارة الخارجية "نزدهر" ومبادرات التحفيز والاستدامة المالية جنبًا إلى جنب مع تعزيز الشراكة مع القطاع الحكومي. وتجاوز إجمالي حجم الاستثمار المضاف في جميع المدن الصناعية التابعة للمؤسسة العامة للمناطق الصناعية "مدائن" خلال النصف الأول من العام الحالي نحو 177 مليون ريال، ليصل إجمالي حجم الاستثمار في جميع هذه المدن بما في ذلك واحة المعرفة مسقط والمنطقة الحرة بالمزيونة، إلى أكثر من 7.6 مليارات ريال، فيما بلغ عدد العقود الاستثمارية الموطّنة 2310 عقود في مختلف مراحلها، ويعمل في المشروعات المستثمرة في جميع المدن الصناعية نحو 55 ألفًا و242 عاملًا يشكل العُمانيون منهم 38 بالمئة، بينما بلغ إجمالي مساحات المدن الصناعية القائمة والجديدة 163 مليونًا و176 ألفًا و459 مترًا مربعًا.

أما حجم الاستثمار التراكمي في كل من منطقة صحار الحرة والمنطقة الحرة بصلالة ومدينة خزائن الاقتصادية فقد بلغ 1.33 مليار ريال وتشمل قطاعات عدة، أبرزها الصناعات الدوائية والغذائية والبتروكيماويات والبلاستيك والقطاع اللوجستي والطاقة المتجددة وغيرها.

وفي قطاع الموانئ، تواصل موانئ صحار وصلالة والدقم، التي تتمتع ببنية أساسية متكاملة عالميًّا، تعزيز كفاءاتها التشغيلية لتصبح محطات رسوّ رئيسة على مختلف الخطوط الملاحية العالمية. وقد حافظت خلال النصف الأول من عام 2024 على حجم عملياتها التشغيلية من خلال مناولة نحو 1.8 مليون حاوية بحجم البضائع العامة الذي يصل إلى 13 مليون طن، ما يعكس إسهامها الفاعل في دعم الاقتصاد الوطني وتمكين الصادرات العُمانية للوصول إلى الأسواق الدولية بقدرة تنافسية عالية.

التنمية الشاملة والمتوازنة

وفي القطاع السياحي، حققت سلطنة عُمان نتائج إيجابية ملحوظة في السنوات الأخيرة، حيث ارتفع عدد السياح إلى ما يقارب 4 ملايين سائح في 2023م بزيادة قدرها 36.7 بالمئة مقارنة بعام 2022م، في حين بلغ عدد الزوار القادمين إلى سلطنة عُمان بنهاية النصف الأول من العام الحالي حوالي مليوني زائر بنسبة زيادة بلغت 3.2 بالمئة، وبلغ عدد المنشآت الفندقية نحو 895 منشأة تضم 34 ألفًا و378 غرفة فندقية.

وتواصل سلطنة عُمان اهتمامها وتركيزها البالغ بالتنمية الشاملة والمتوازنة لجميع المحافظات وتأسيس المدن المستدامة ضمن أولويات رؤية عُمان 2040 عبر توجيه الاستثمارات نحو إنشاء المدن الذكية وتطوير المحافظات مع تطبيق مبدأ اللامركزية الإدارية والاقتصادية.

ويُعدُّ مشروع مدينة السُّلطان هيثم أول مشروع ذكي ومستدام بصفته مدينة متكاملة في سلطنة عُمان بمساحة تبلغ 14 مليونًا و800 ألف متر مربع، وتضم حوالي 20 ألف وحدة سكنية تتوزّع على 19 حيًّا متكاملًا بمختلف المرافق والخدمات.

وأظهر التقدّم الذي حقّقته سلطنة عُمان في العديد من المؤشرات العالمية في أولويات رؤية "عُمان 2040" الطموحات الواعدة وإبراز تطلُّعاتها المستقبلية لتكون في مصاف الدول المتقدمة مما يجعلها نموذجًا يُحتذى به لمواكبة التطوّر والتقدم، ومن بين هذه المؤشرات:

ما حققته سلطنة عُمان من تقدّمٍ في مؤشر الإعلام للعام الثاني على التوالي لتحلّ في المرتبة الـ 40 عالميًّا بعد تقدّمها 6 مراتب ضمن مؤشر القوة الناعمة العالمي الصادر عن مؤسسة براند فاينانس البريطانية لعام 2024م مقارنة بالمرتبة الـ 46 في عام 2023م، وتقدّمها في مؤشرات فرعية أخرى، منها تقدُّمها 10 مراتب في مؤشر المستقبل المستدام و5 مراتب في التأثير الإيجابي.

كما حققت سلطنة عُمان تقدمًا نوعيًّا في مؤشر الأداء البيئي العالمي للعام 2024 الذي أعلنه مركز السياسات والقوانين البيئية بجامعة يِيل الأمريكية بتقدمها 99 مركزًا عن التصنيف السابق للعام 2022 (حيث كانت في المركز الـ 149 عالميًّا)، لتتبوأ المركز الـ 50 عالميًّا، في تصنيف 2024.

ويُعدُّ مجلس عُمان شريكًا أساسيًّا في نهضة عُمان المتجدّدة، إذ يستند في ممارسة أدواره ومسؤولياتهِ الوطنيةِ على النظامِ الأساسيِّ للدولةِ وقانونِ مجلسِ عُمان اللذينِ حددا مسارات العمل وفق صلاحيات واضحة.

التعليم حجر الزاوية للتنمية

تولي سلطنة عُمان قطاع التعليم أهمية كبيرة لكونه أداة للتنمية والتقدّم، ولدوره الفاعل في الإسهام في بناء مستقبل مشرق للأجيال القادمة، وهو ما أكّده السلطان هيثم بأن الاهتمام بقطاع التعليم بمختلف أنواعه ومستوياته سيكون في سُلّم الأولويات الوطنية، وقامت الحكومة بمدّ هذا الحقل المهم بكل أسباب التمكين، فأقرّ مجلس الوزراء في سبتمبر الماضي تخصيص مبلغ إضافي 40 مليون ريال ضمن الخطة الخمسية الحالية لتسريع بناء مدارس جديدة في مختلف المحافظات، وبلغ عدد الطلبة في المدارس الحكومية والخاصة في العام الدراسي الحالي أكثر من مليون طالب وطالبة، وشَهِدَ افتتاح 16 مبنى مدرسيًّا جديدًا في عدد من المحافظات، والبدء في تشييد 15 مبنى مدرسيًّا، وطرح مناقصات لـ 20 مبنى مدرسيًّا جديدًا.

ويمثّل المعلمون والمعلّمات حجر الزاوية في مسيرة التنمية والتقدّم لنهضة عُمان المتجددة؛ فقد أكدت حرمُ السلطان هيثم أن المعلمين والمعلمات يقومون بدور محوري في المنظومة التعليمية لإعداد الكوادر وتسليحهم بالمعارف والقيم والعلوم النافعة.

القطاع الصحي



يشهدُ القطاع الصحي في سلطنة عُمان تطوّرًا ملحوظًا تمثّل في تعزيز البنية الصحية بما يواكب تطلعات الحكومة و"رؤية عُمان 2040" وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين عبر رفع كفاءته وتوسيع نطاق مظلة الخدمات الصحية والعمل على لامركزية الخدمات الصحية وخاصة الرعاية الصحيّة التخصصية.

ومن بين المشروعات التي تركز عليها استراتيجية الصحة، تقديم الرعاية الصحية الثانوية والثالثية عبر إنشاء واستبدال ورفع كفاءة المستشفيات وتوسعتها في أغلب المحافظات، ويتمُّ بناء 9 مستشفيات حاليًّا بأعداد أسرّة تزيد على 1660 سريرًا، وتوسعة 5 مستشفيات مرجعية أخرى، ومواكبة لمتطلبات الرعاية الصحية الأوليّة وتقديم الخدمات الصحية الأساسية يتمُّ حاليًّا إنشاء واستبدال وتوسعة 15 مؤسسة رعاية صحية أوليّة، بالإضافة إلى إنشاء 9 وحدات لغسل الكلى.

وتُسهم المدينة الطبية الجامعية التي أنشئت في شهر فبراير الماضي بتعزيز سياسة الحكومة بشأن تطوير القطاع الصحي في سلطنة عُمان والنهوض به، وتوفير الخدمات الصحية للمواطنين والمقيمين وفق المعايير الوطنية والعالمية، لاسيما أنها تضم مستشفى جامعة السلطان قابوس، والمركز الوطني العُماني لعلاج أمراض الدم وزراعة النخاع، ومركز السلطان قابوس المتكامل لعلاج وبحوث أمراض السرطان.

السلطنة والاهتمام بالشباب



تولي حكومة السلطنة الشباب أهمية كبيرة لدورهم الحيوي والبارز في مواصلة مسيرة البناء لنهضة عمان المتجددة، كما تسعى إلى تعزيز حوكمة الأداء والنزاهة والمساءلة واعتبارها متطلبات أساسية لتحقيق الأهداف الوطنية، وحرصت على دعم تنفيذها بالتشريعات والأنظمة، وإصدار ملخص المجتمع تعزيزاً لقيم الشفافية والإسهام في أداء المؤسسات الحكومية. واستمرار تنفيذ المشروعات والبرامج الحكومية وفق مؤشرات فاعلة من شأنه أن يُعظّم الاستفادة من الموارد المالية في تنفيذ الخطط الوطنية والتنموية.

وتواصل السلطنة مدّ جسور التعاون وترسيخ مبدأ الصداقة والتواصل وتوطيد العلاقات مع دول العالم، وتمثّل ذلك في زيارة السُّلطان هيثم بن طارق لعدد من الدول الشقيقة والصديقة، تجسيدًا للاستمرارية في التعاون والعلاقات الدبلوماسية الوثيقة معها، وبحث مسارات التعاون القائمة مع تلك الدول في مختلف المجالات وفرص تنميتها وتطويرها بما يخدم المصالح والتطلعات المشتركة، وفي هذا الإطار قام السلطان هيثم بزيارات إلى الهند، وسنغافورة، والمملكة المتحدة، وألمانيا، والإمارات، والكويت، والأردن.

وعلى الصعيد السياسي، تؤكّد سلطنة عُمان دومًا على ثوابتها في سياستها الخارجية القائمة على مبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، وإرساء نظامٍ عادلٍ لتبادل المنافع والمصالح، وعلى إقامة أسس الاستقرار والسلام والإسهام فيها بإيجابية، وأن يكون الحوار والتسامح منهجًا لمعالجة كل القضايا والتحدّيات لتحقيق السلام وعلاقات تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون الإيجابي والوئام بين الدول.