منظر مؤلم استطاعت كاميرات فيديو العدو الأسبوع الماضي التقاطه لنزوح أهالي غزة وهم في أسوأ حال من الجوع العطش والذل يتوسلون من الجيش الإسرائيلي شربة ماء. تقول سيدة فلسطينية: إحنا معكم، ويقول لها المعلق الصحافي: يعني إنتو مع إسرائيل؟ فترد: مع إسرائيل خيرنا منكم إنتو الخير والبركة!! ثم تقوم بتقبيل الصحافي الإسرائيلي، ثم سألها عن «حماس» والمقاومة، فقالت عنهم «كذابين»، و«حماس» دمرتهم. قالت: تحيا إسرائيل وتسقط «حماس»، وإنها ستقتلهم إذا رأتهم، زغردت وفرحت لقتل السنوار الذي دمّر وقتل أطفالهم! ثم راحت تدعو هذه المكلومة للإسرائيليين ويحمل أولادها رايات الاستسلام البيضاء، وأن يعود أبناؤهم سالمين، وأن يعم السلام مع إسرائيل. ثم تأتي امرأة أخرى تدعو الإسرائيليين لقتل «حماس» لأنهم قتلة موالون لإيران. ولقطات مؤلمة لأطفال وعجائز يتوسلون على الأرض، يسعفهم الجيش الإسرائيلي بقناني الماء، بينما يأتي رب أسرة يصرخ ويناشد العالم إنقاذهم من «حماس» قبل اليهود، وقال مصطلحاً معبّراً «حماس تتاجر بدمائهم»، وهو ما أشار إليه الفلسطينيون قبل السابع من أكتوبر وبعده.
لقد تحوّل صراع العرب مع إسرائيل من حروب إلى نكسات ثم تأييد للعدو، بدأنا بحرب 48 ثم العدوان الثلاثي ونكسة 1967 وحرب الاستنزاف وحرب أكتوبر 73، ثم حرب الليطاني جنوب لبنان 1978، وتلتها الحرب في لبنان من 82 وحتى الألفين، تخللتها انتفاضة الحجارة، ثم تموز 2006، التي أراد فيها ذراع إيران (حزب الله) تحرير أسرى، فمسحت لبنان، ثم الحروب على غزة 2008 و2014 و2021، لتأتي النهاية في «طوفان الأقصى» 7 أكتوبر، وبعد كل هذه الهزائم للعرب عسكرياً يخسرون أي محاولة للمفاوضات، كما خسرت المنظمة «أوسلو» بعد تضخّم حسابات عرفات الذي باعها، كما خسر العرب مشاريع مفاوضاتهم حتى بعد أن تذللوا للسلام في مؤتمر فاس الذي رفضته إسرائيل، أي لم ينجح إلا السادات، لننتهي اليوم ونحن ندعم إسرائيل لتدمير أعدائنا، مثل إيران وقياداتها العسكرية وأذرعها خارج الحدود.
هذا الشعور الذي يجعلنا ندعم موقف إسرائيل للقضاء على أعدائنا ونريد منها المزيد هو نفس الشعور الذي جعل النازحين من غزة يناشدون إسرائيل ويتوسلون إليها للقضاء على «حماس»، وهو ما يضطرنا إلى أن نجمع هذه المشاعر معاً لنقول فيها لكل قومجي وإخوانجي أو متفلسف لا يزال يدافع عن «حماس» ويصف زعماءها المرتزقة بالشهداء أن يخرس، لأنه قبل أن يتلفظ بحرف واحد، لا بد له أولاً أن يحس بلسعة نار الاعتداء والحرب والتنكيل والقصف وذلّ التشرد، ويتذوّق آلام ومعاناة وحرقة قلوب أهالي غزة.
كما يجب عمل بروفة تجريبية لهدم الغرفة الرئيسية فقط من منازل المدافعين عن «حماس» على رؤوسهم، شريطة أن يكون جميع أفراد الأسرة داخلها، كي يجرّب ذلك المدافع عن «حماس» هو وأهله كيف تتقطّع أطرافهم ليعيشوا معاقين طوال حياتهم، وأن يفقدوا فلذات أكبادهم تحت أنقاض الغرفة ليستخرجوهم أشلاء، وكتجربة أيضاً يفصلونهم من أعمالهم، وتستكمل الدورة التدريبية على النزوح بلا ماء ولا مأوى ولا سقف، مشردين تماماً كأهالي غزة، لنضع النقاط على الحروف ونعيد هيكلة سياستنا الخارجية، فالعدو واضح جداً، ولكن بقي علينا أن نقضي على أعدائنا بالداخل، وأن ينظف العرب الفناء الخلفي لسياستهم الخارجية.
***
إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي.