أولاً: كيف صُنع الشعر؟!

قبل أن تصل القصيدة إلى ما وصلت إليه كان كهّان العرب يسجعون الكلام ليقنعوا السامعين بأنه مُهبَطٌ عليهم، وأوحته لهم الآلهة، وقد أطلقوا عليه السجع تشبّهاً بسجع الحمامة ذات النغمة الواحدة.

Ad

ثم انتقل السجع من المعابد إلى الصحراء، ومن الأدعية في المعابد إلى الحداء في الصحراء أثناء سير القوافل، ومع مرور الزمن تعددت أوزان الكلمات إلى الرجز، ثم تدرّج العرب من الرجز إلى القصيد، ثم تعددت الأوزان بتعدُّد الألحان، فكان للحماسة وزن، وللغزل وزن، وللهزج وزن، وهكذا إلى سائر الأوزان، التي حصرها - فيما بعد - الخليل بن أحمد بـ 15 وزناً.

***

قطعاً هناك من قالوا قصائد ولم نعثُر لها على أثر، ولكن أقدم من وصلت إلينا أشعارهم، المهلهل بن ربيعة وامرؤ القيس.

والجميل في شعر هؤلاء العرب، الذين يفصلنا عنهم نحو 1500 سنة، أن بعض أشعارهم كأنها تخاطبنا اليوم، وسنأتي هنا على بعض النماذج.

***

فهذا امرؤ القيس يخاطب حبيبته:

أفاطِمَ مَهْلاً بَعْضَ هَذَا التَّدَلُّلِ

وإِنْ كُنْتِ قَدْ أزْمَعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلِي

أغَرَّكِ مِنِّي أنَّ حُبَّكِ قَاتِلِي

وأنَّكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَلِ

***

وهذا زُهير يحذّر من الحرب:

وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ

وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ

مَتى تَبعَثوها تَبعَثوها ذَميمَةً

وَتَضرَ إِذا ضَرَّيتُموها فَتَضرَمِ

***

وهذا الأعشى الذي حيل بينهُ وبين إعلان إسلامه، ينشد عندما عزم على لقاء نبي الرحمة، صلى الله عليه وسلم:

أَلَم تَغتَمِض عَيناكَ لَيلَةَ أَرمَدا

وَعادَكَ ما عادَ السَليمَ المُسَهَّدا

وَما ذاكَ مِن عِشقِ النِساءِ وَإِنَّما

تَناسَيتَ قَبلَ اليَومَ خُلَّةَ مَهدَدا

***

وهذا عنترة يصف نفسه في حالة سُكرهِ:

فَإِذا شَرِبتُ فَإِنَّني مُستَهلِكٌ

مالي وَعِرضي وافِرٌ لَم يُكلَمِ

وَإِذا صَحَوتُ فَما أُقَصِّرُ عَن نَدىً

وَكَما عَلِمتِ شَمائِلي وَتَكَرُّمي

***

أما طرفة بن العبد فيقول:

أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي

عقيلة مال الفاحش المُتشدد

أرى العيش كنزاً ناقصاً كل ليلة

وما تنقص الأيام والدهر ينفدِ

***

وحاتم الطائي يقول:

ولن يكسب الصعلوك مجداً ولا غنىً

إذا هو لم يركب من الأمر معظما

لحا الله صعلوكاً مناهُ وهمّهُ

من العيش أن يلقى لبوساً ومطعما

***

وأخيراً: سوف أختم هذا المقال بالشاعر الأفوه الأودي، الذي استشهد بأبياته الشيخ عبدالله السالم - يرحمه الله- عندما افتتح أول مجلس أمةٍ في الكويت:

لا يُصلح الناس فوضى لا سراة لهم

ولا سراةَ إذا جُهّالهم سادوا

تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت

وإن تولّت فبالأشرار تنقادُ