مراجعة قرار وقف الاستعانة بخبرات المتقاعدين
أود أن أوضح مسألة حيوية ومهمة تتعلق بضرورة الاستفادة القصوى من خبرات المتقاعدين، إذ بلغت أعداد أصحاب المعاشات الذين على قيد الحياة 169.220 متقاعداً في نهاية شهر سبتمبر 2023، والتي أرى أنها تستدعي مراجعة شاملة للقرارات التي صدرت مؤخراً لتهميش دور وأهمية المتقاعدين في مجال التنمية البشرية، حيث صدر قرارمؤخراً بوقف الاستعانة بخبرات المتقاعدين في المجالات التدريبية والاستشارية في الجهات الحكومية، وذلك بناءً على الفهم الخطأ لقرار ديوان الخدمة المدنية الصادر بتاريخ 10/08/2008 وتعميم الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب بتاريخ 26/08/2022، والتي صدرت لمعالجة ظروف وظيفية محددة ولأهداف وقتية محددة في حينها، ومع اختلال التركيبة السكانية والتغيرات الاقتصادية والديموغرافية والاجتماعية الحالية والمتسارعة، فإن استمرار العمل بهذه القرارات والتعاميم سيترتب عليه عواقب سلبية كبيرة ليس على فئة المتقاعدين فقط، بل على خطط التنمية البشرية والخطط التنموية المستدامة للدولة.
أولاً- تسليط الضوء على أهمية خبرات المتقاعدين:المتقاعدون يمتلكون خبرات وتجارب متنوعة في مجالات الإدارة والتدريب والاستشارات والعديد من التخصصات الفنية والتكنولوجية، وإن استثمار هذه الخبرات يمكن أن يعزز كفاءة وفعالية العمل في القطاعين الحكومي والخاص، ويسهم في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للدولة، فمثلاً في ألمانيا وكندا يعتبر المتقاعدون جزءاً أساسياً من البرامج الاستشارية والتدريبية مما أدى إلى تحسين الأداء والإنتاجية.
ثانياً- العواقب السلبية لقرار وقف الاستعانة بالمتقاعدين:
أ. إهدار الخبرات الوطنية: حيث إن العديد من المتقاعدين يمتلكون مهارات وخبرات قيمة يمكن أن تسهم في تحسين جودة التدريب والتنمية البشرية، ولكن القرار يحرمهم من المشاركة في العمل الجزئي.
ب. تأثير سلبي على سياسة الإحلال: القرار يعزز الاعتماد على غير الكويتيين في مجالات التدريب والاستشارات، مما يتناقض مع سياسة الإحلال والأهداف الاستراتيجية لزيادة وتنمية الكوادر الوطنية.
جـ. التأثير الاجتماعي والنفسي: حرمان المتقاعدين من فرص العمل الجزئي قد يؤدي إلى تأثيرات نفسية واجتماعية سلبية على مستوى الأسرة والمجتمع.
ثالثاً- كيفية الاستفادة من خبرات المتقاعدين في تطوير الأداء:
أ. تقديم الاستشارات: يمكن للمتقاعدين تقديم استشارات متخصصة تساعد في تحسين الأداء الاستراتيجي والإداري، مما يسهم في حل المشكلات المعقدة وتحسين استراتيجيات العمل.
ب. البرامج التدريبية: يمكن للمتقاعدين المساهمة في تطوير وتنفيذ البرامج التدريبية لموظفي القطاعين العام والخاص، مما يعزز قدراتهم من خلال نقل المهارات والخبرات التي اكتسبوها.
رابعاً- حقوق المتقاعدين:
وذلك في ضوء المبادئ العامة لحقوق الإنسان كما تكفلها القوانين الكويتية والدولية:
1- حقوق الإنسان والدستور الكويتي:
يكفل الدستور الكويتي حقوق المواطنين في مجالات متعددة، بما في ذلك حقهم في العمل والمشاركة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويشدد الدستور على أهمية تعزيز فرص العمل والعدل والمساواة بين جميع المواطنين، بمن في ذلك المتقاعدون الذين أفنوا أعمارهم في خدمة الوطن.
2- القوانين الوطنية والمواثيق الدولية:
أ- القوانين الكويتية: تنص القوانين الكويتية على ضرورة تعزيز فرص العمل والعدالة في سوق العمل، وتضمن حماية حقوق جميع المواطنين، بمن في ذلك المتقاعدون والسياسات التي تحد من الاستفادة من خبرات المتقاعدين وتتعارض مع مبادئ العدل والمساواة التي كفلها القانون.
ب- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية: يلتزم العهد الدولي بضمان الحق في العمل والفرص الاقتصادية للمواطنين، بما في ذلك توفير الفرص للمتقاعدين للاستفادة من خبراتهم في العمل الجزئي والكلي وفي الوظائف الاستشارية، بما يتماشى مع الممارسات الدولية المراعية لحقوق الإنسان.
جـ- الميثاق العربي لحقوق الإنسان: يشدد الميثاق على ضرورة احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك حق الأفراد في الاستفادة من خبراتهم ومهاراتهم ومعرفتهم، وتعزيز فرص العمل لكل الفئات العمرية.
د. الشريعة الإسلامية: تحث الشريعة الإسلامية على احترام حقوق الأفراد وتقدير جهودهم وعطاءاتهم طوال حياتهم، ومن هذا المنطلق، فإن حرمان المتقاعدين من الاستفادة من خبراتهم في العمل الجزئي يتعارض مع مبادئ الشريعة التي تدعو إلى تحقيق العدالة وتقدير جهود الأفراد.
خامساً- توصيات ومقترحات:
1. مراجعة القرار: نوصي بإعادة النظر في القرار وتعديله بحيث يسمح بالاستعانة بالمتقاعدين للعمل الجزئي مع الالتزام بالضوابط اللازمة.
2. تصميم برامج تدريبية: التعاون مع المتقاعدين لتصميم وتنفيذ برامج تدريبية تستهدف تحسين مهارات الموظفين من خلال تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية تعتمد على تجاربهم وخبراتهم العملية.
3. استشارات استراتيجية: الاستفادة من خبرات المتقاعدين في تقديم استشارات استراتيجية لتطوير المشاريع وتنفيذ البرامج الحكومية والخاصة، مع التركيز على تقديم حلول مبتكرة.
4. فتح قنوات الحوار: فتح قنوات حوار مع المعنيين في ديوان الخدمة المدنية والهيئات الحكومية الأخرى لمناقشة كيفية تطبيق السياسات بما يتماشى مع مبادئ حقوق الإنسان وتحقيق العدل والمساواة.
5. تعزيز التوعية: تعزيز الوعي بين المسؤولين الحكوميين والمتقاعدين حول حقوق المتقاعدين وكيفية الاستفادة من خبراتهم بشكل فعال.
6- تشكيل لجنة مختصة: يمكن تشكيل لجنة مختصة لتقييم خبرات المتقاعدين وتحديد المجالات التي يمكن الاستفادة منهم فيها مما يضمن تحقيق أقصى استفادة من خبراتهم ووضع آلية تنفيذية لما تم ذكره من آراء وتوصيات. وعليه نقترح عقد اجتماع مع المعنيين لمناقشة كيفية تفعيل هذه الأفكار واستكشاف السبل العملية لتحقيق أقصى استفادة من خبرات المتقاعدين. إن الاستفادة من هذه الخبرات يمكن أن تكون خطوة مهمة نحو تحسين الأداء وسد الاحتياجات الوظيفية في الجهاز الحكومي وتطوير القطاعات والإدارات المختلفة... ودمتم سالمين.