نحن، اللبنانيين، المسؤولون أولاً عما وصلنا إليه، ومن السهل أن نلقي المسؤولية على غيرنا كما جرت العادة، على الرغم من أنهم يتحملون أيضاً المسؤولية سواء كانوا دولاً أو منظمات أو أحزاباً أو غيرها.
منذ عشرات السنين، بل منذ الحروب والثورات الصغيرة التي مررنا بها، لطالما استسهلنا رسم الإطار العام بأننا ضحية الآخرين، وأن حروبنا هي حروب الآخرين على أرضنا دون أن نعترف بأن لدينا الاستعداد والتجاوب مع من يريد أو يعمل على استخدام أرضنا وناسنا في المواجهات السياسية والعسكرية، في الوقت الذي كان بالإمكان استخدامهم، كما كان في بدايات نشأته ككيان ووطن، للمواجهات الفكرية والعلمية والقانونية والإعلامية والمالية والهندسية والطبية.
أما دوافع هذا التجاوب وأسباب هذه المواجهات فهي عديدة، لكن أهمها وأخطرها هي التركيبة الطائفية للحكم ونظام الحكم الذي لم يؤطر موضوع الوحدة الوطنية، ولا حتى مفهوم المواطنة خلال عقود، وذلك على الرغم من تجربة سياسية وجيزة لم تدم إلا سنوات خلال الخمسينيات والستينيات التي لم يخلُ منها الصراع على السلطة وعلى سياسة المحاور الإقليمية وعلى من يحكم البلد، أو كيف يجب أن يحكم، فاستمرت المواجهات السياسية والعسكرية، مما أتاح للقوى والمنظمات التدخل في صراعاتنا بعد تلك الحقبة بدءًا من السبعينيات التي اشتعلت خلالها الحرب الأهلية، واستمرت حتى الثمانينيات.
هاتان الحقبتان اللتان تم خلالهما اغتيال قيادات سياسية رفيعة المستوى كانت تعمل على توحيد البلد وضبط إيقاعه السياسي، من كمال جنبلاط الى بشير الجميل الى رشيد كرامي الى رينيه معوض الرئيس الأول لاتفاق الطائف الذي تم الاتفاق عليه وعارضته قوى مسيحية حينها، خمسة عشر عاماً فقط بعد اتفاق الطائف عرف خلالها لبنان هدوءاً لم يخلُ من القلاقل والهزات بل الحروب (1996).
أما وقد وصلنا إلى حرب ضروس وتدمير لثلث لبنان وعاصمته، وبدل أن يكون اللبنانيون موحدين حول بلدهم، نجد أن التشقق يزداد في هيكله، ويتوسع بين من يفترض أنهم شعب واحد، بل إن التكاذب التاريخي بينهم يظهر علناً من خلال مواقف لقيادات ومداخلات لوجوه سياسية وإعلامية وأكاديمية تميل الى إظهار الكراهية والتمايز وأحياناً الشماتة بالآخر مما لا يؤشر إلى الاطمئنان على مستقبل سياسي آمنٍ للبلد.
مما لا شك فيه أن من سبّب التورط في هذه الحرب يتحمل المسؤولية الكبرى، ومما لا شك فيه أيضاً أنه لم تكن هناك دولة متماسكة، إنما هيكل دولة تم تحطيمها منذ 20 عاماً، لكن يتحمل اللبنانيون كلهم المسؤولية أيضاً، سواء الموالي أو المعارض، لأنهم هادنوا وشاركوا وصمتوا وتواطؤوا وتكاذبوا وباعوا واشتروا، واليوم يتبرؤو ن مما فعلوه باختيارهم لقياداتهم وزعمائهم ورؤساء أحزابهم ورجال طوائفهم، وحكوماتهم وممثليهم في البرلمان وحتى في قطاعاتهم الخاصة ونقاباتهم.
المسؤولية الكبرى تقع على اللبنانيين أولاً وأخيراً وليس على القوى أو الدول الخارجية فقط، التي نتباكى أمامها ونستنجد بها بالمساعدات والمعونات، فإذا ما وقفت الحرب لإعادة الانطلاق بدولة جديدة فلا يجدي معها التكاذب على بعض، أو التباهي بين بعض، أو التمايز عن المحيط العربي الذي يخاف على لبنان أكثر مما يخاف أهله عليه، والهدف الجديد يكون باقتناعنا بمفهوم «الدولة والدولة فقط» لا «دويلات» ضمن العشرة آلاف كلم تتسع للجميع.
* سفير لبنان السابق في الكويت.