الشفرة الوراثية للإنسان تتألف من نحو 3.2 مليارات قاعدة نيتروجينية تحوي أكثر من 20.000 جين، هذه الجينات تشكل حوالي 2 في المئة من الجينوم، في حين يساهم بقية الجينوم في تنظيم عمل الجينات. التنوع في الجينوم هو أساس التنوع البشري ويمثل مفتاحاً لفهم الصحة والأمراض، ودراسة الجينوم تتم عبر تحليل الشفرات الوراثية لمجموعات من الأشخاص، حيث يتم تحليل وجمع بيانات تسلسلهم الجيني، إلى جانب معلومات عن صفاتهم البيولوجية وتاريخهم المرضي. تُستخدم هذه البيانات للمقارنة بين الأفراد لفهم الروابط بين الجينات والصفات أو الأمراض، ومن خلال هذه المقارنات، يمكن تحديد الطفرات الجينية المرتبطة بالأمراض، واكتشاف العوامل الوراثية التي قد تؤثر على الصحة، وتطوير استراتيجيات مخصصة للوقاية والعلاج.

المجتمع الكويتي، بتكوينه الصغير وخصوصيته، يواجه تحديات صحية كبيرة، حيث تسهم نسب زواج الأقارب المرتفعة في انتشار الأمراض الوراثية المتنحية، مثل اضطرابات الدم وبعض الأمراض الجينية النادرة، بالإضافة إلى ذلك، يعاني المجتمع ارتفاع معدلات الأمراض المزمنة مثل السكري والسمنة، والتي تتفاقم مع أنماط الحياة غير الصحية. هذه التحديات تتطلب حلولاً مبتكرة وتفكيرًا استراتيجيًا خارج الصندوق، من هنا تأتي أهمية مشروع الجينوم، الذي يسعى إلى دراسة التركيبة الجينية للسكان، وفهم الأسباب الوراثية وراء هذه الأمراض. هذا المشروع يوفر أدوات علمية دقيقة لتطوير خطط وقائية موجهة وعلاجات شخصية تعتمد على الطب الدقيق، مما يمكن من تحسين جودة الحياة وتقليل العبء الصحي على المجتمع، والاستثمار في مثل هذه المشاريع ليس خطوة نحو مستقبل صحي أفضل فقط، بل يعزز مكانة الكويت كمركز ريادي للابتكار في مجال الصحة في المنطقة.

Ad

تحديد الطفرات والمتغيرات الجينية الشائعة في المجتمع الكويتي والمرتبطة بالأمراض الوراثية يمثل خطوة أساسية نحو تحسين الصحة العامة. هذا النهج سيمكننا من تصميم شريحة جينية متخصصة تضم هذه المتغيرات، تكون مخصصة للفحص الجيني للأفراد المقبلين على الزواج. اعتماد هذه الشريحة على نطاق واسع سيؤدي إلى الحد من انتقال الأمراض الوراثية بين الأجيال، مما يخفف العبء الصحي عن الأفراد، ويقلل من التكاليف المرتبطة بعلاج هذه الأمراض. إضافة إلى ذلك، سيعزز هذا الفحص الوعي الصحي لدى المواطنين، ويشجعهم على اتخاذ قرارات مدروسة بشأن حياتهم الأسرية، ومن الناحية الاجتماعية، فإن تقليل انتشار الأمراض الوراثية يسهم في تحسين جودة الحياة وتقليل الضغوط النفسية والاقتصادية على الأسر، علاوة على ذلك، يمكن أن تكون هذه المبادرة نموذجًا رائدًا يحتذى في دول المنطقة، مما يضع الكويت في مقدمة الدول التي تعتمد على العلم في مواجهة التحديات الصحية والاجتماعية.

كما يمثل المشروع استثمارًا علميًا ومعرفيًا عميق الأثر على مستقبل الكويت، حيث يوفر قاعدة بيانات جينية هائلة تُعد كنزًا بحثيًا يدعم تطور البحوث الصحية والطبية في الدولة. هذه البيانات تتيح للباحثين الكويتيين فرصًا غير مسبوقة لدراسة الأنماط الوراثية للأمراض، وتطوير استراتيجيات علاجية مبتكرة، واستكشاف حلول صحية مخصصة للمجتمع الكويتي، علاوة على ذلك، يسهم المشروع في إعداد جيل مميز من العلماء الكويتيين، من خلال تعزيز مهاراتهم في علوم الجينوم والبيانات الضخمة، وتمكينهم من العمل على أبحاث علمية تتسم بالابتكار والتأثير العالمي، هذا الاستثمار في بناء الكوادر المحلية لا يدعم البحث العلمي فحسب، بل يعزز أيضًا من مكانة الكويت كدولة رائدة في المجال الصحي والبحثي على مستوى المنطقة والعالم، مما يجعل المشروع حجر الأساس لمستقبل قائم على المعرفة والابتكار.

* أستاذ مشارك بعلوم طب الجينوم.