في ظل الفوضى العارمة، وعلو صوت الضجيج السياسي، وغياب الحزم في ظل حكومة ليست رشيدة، وتغلغل الفساد في نواحي المؤسسات كافة، تبلغ الدولة حافة الانهيار، فيغدو كيانها مهترئاً ومنخوراً من الداخل، بانتظار واحدة من لحظتين، سلّ الخيط، فالسقوط والتداعي، أو الترميم والتعافي.
تلك هي حال الكويت قبل عهد الحزم.
وإليكم حكايات انسلال خيط الدولة، الذي كاد يؤدي إلى تفكيكها وتداعيها.
في الدارج الكويتي، كان يقال: «سلّت المرأة خيط غزل الثوب»، أي أنها نقضت غزلها للثوب، فعاد خيوطاً وتلاشى بناء الثوب.
فالعبث لم يقتصر على الجنسية، التي طالها أسوأ صنوف التزوير والتدليس والادّعاء والانتساب للغير أباً أو عائلة أو قبيلة، فعلى الرغم من الأذى البالغ الذي لحق بالكويت نتيجة العبث بجنسيتها، الذي حوّل أهل الكويت إلى أقلية بصورة مفرطة، وأدى إلى تغيير التركيبة السياسية للمجتمع، وهو ما أفضى إلى مجالس أمة مُختطفة من قراصنة التزوير، فأصبحت إرادة الأمة مزوّرة بعدد للناخبين يفوق عدد المواطنين الحقيقيين! فإن الجنسية تمثّل بداية خيط تم فكّه أو سلّه لمنع المزوّرين من التدثّر برداء التزوير، وكذلك ليكشف معهم الفاسدين وقنّاصي الفرص من الأشرار.
فقد تكشّف العبث بالتركيبة السكانية والتجارة الجشعة بالإقامات والتواطؤ بين أطراف عدة في مواقع مختلفة ضمن عصابة العبث بتلك التركيبة، وقد بدأ سلُّ خيوطه كي يتهاوى، وفي معيّته تكشفت عصابة العبث بتغيير الأسماء، التي بدأت بمجاميع ضغط من المزوّرين، وعاونهم نواب بمجلس الأمة بسَنّ قانون مشوّه لتغيير الأسماء تحت عنوان «دعاوى النسب وتصحيح الأسماء»، وألحق بها إقحام ملف مقيمين بصورة غير مشروعة على البلد تحت شعار كاذب ومغرض، وهو أنهم كويتيون رغم أن جنسياتهم وأصولهم معروفة، وفق تصريحات الجهاز المختص الموثّقة!
وقد تدافع نواب «الزار السياسي» لدعم هذا الملف، قلّة منهم، بحُسن نية، وأغلبيتهم بسوء قصد وتدبير لحماية أنفسهم أو أقربائهم من ملفات تزوير الجنسية، ومن ثمّ، كان المَخرج من طرفهم المطالبة - زوراً - بمنحهم «الحقوق الإنسانية»، بل وتجنيسهم، وتلك دعوة باطلة ومضللة غاياتها شيوع حالات التزوير، حتى لا يمسك خيط الجنسية ويتمّ سلّه، فيسقط المزورون وزعاماتهم المتواطئة.
وقد تكشّف، من خلال هذا الملف، الفساد الكبير في العبث بالتعيينات والمناصب الاستشارية، والعلاج بالخارج من خلال نوابٍ وصلوا إلى عضوية المجلس وحَوْل جنسياتهم علامات استفهام كبيرة، كانت سبباً لوقوفهم وتصويتهم ضد تشكيل لجنة تحقيق برلمانية بتزوير الجنسية.
وكشفت تداعيات سلِّ خيط الجنسية الحصول على رعاية سكنية بغير وجه حق، وقروضاً وإعانة زواج ودعم عمالة ومستحقات ربات البيوت من غير العاملات، كما فتحت تداعيات سلّ خيط التزوير بالجنسية ملف التزوير بالشهادات العلمية.
وهكذا تلاحقت الملفات لترميم البلد وتعافيه بعد أن كاد ينهار.
ولي رأي أخير، ملخّصه أن كثيراً من القوانين التي أصدرها مجلس الأمة، لغايات انحراف سياسي وتحت تأثير إرادة الأمة المزوّرة، يجب أن يتم إلغاؤها بشكل عاجل، ومنها القانون رقم 44 لسنة 1994، وتعديلات قانون الجنسية، وتعديلات على القانون رقم 12 لسنة 1963 في شأن لائحة مجلس الأمة، وقانون المرسوم بالقانون رقم 1 لسنة 1988 بشأن تنظيم إجراءات دعاوى النسب وتصحيح الأسماء، والقانون رقم 23 لسنة 2015 بإنشاء جهاز المراقبين الماليين، وهي مواليد مسخ ومشوهة، شرعت لغايات ترضيات نيابية وبصفقات سياسية مشبوهة.
وصدق مَن قال: نقض الغزل للثوب (الرديء)، يبدأ بسلِّ أول خيط منه، وهو خيط أو خيوط تزوير الجنسية.
فشكراً لسمو الأمير - حفظه الله - ولوزير الداخلية، وللجنة العليا للجنسية.