يحاول جناح إيراني بارز عدم زيادة الضغط على رئيس الحكومة العراقية محمد السوداني، وتركه يعمل كمن يبدو حراً بصلاحيات كاملة وشرعية قوية، في حين يحاول بعض منافسي طهران، ومنهم الولايات المتحدة، استمالة رئيس الوزراء الجديد، حتى أن الأوساط السياسية تصف ما يجري بأنه سباق محتدم على السوداني، من السفير الإيراني لدى بغداد محمد رضا آل صادق، وهو من أصول عراقية، والسفيرة الأميركية التي عملت قبل ذلك في الكويت، ألينا رومانوسكي.

ويدعم هؤلاء وجهة نظرهم بمواقف نوري المالكي، الذي بات صاحب أكبر كتلة شيعية بعد انسحاب مقتدى الصدر. فالمالكي الذي جاء بالسوداني يبدو غاضباً معترضاً عليه، ويعلل ذلك بأن أكثر من طرف يمكنه «سرقة» رئيس الحكومة أو الاستحواذ عليه.

Ad

وقال مصدر رفيع في وزارة الخارجية العراقية، إن إيران لم تحتفل علناً بحكومة السوداني أول الأمر، وراحت تقلل من شأن ما حصل بعد انسحاب الصدر وفوز مرشح حليف لها، تحت شعار أن الإيرانيين ظلوا أقوياء في كل العهود بعد سقوط صدام حسين.

لكن المصدر أكد أن طهران «مجنونة من الفرح»، بعد تحجيم خطر التيار الصدري، مشيراً إلى أن استقبال السوداني في بيت خامنئي مطلع الشهر الجاري، «كان مذهلاً، لم يحصل عليه ثلاثة رؤساء حكومات سابقة»، عاصرهم المصدر ورافقهم إلى طهران.

أما الولايات المتحدة فلم تعلن الحداد أو الحزن، وقد أقنعها السوداني بأنه لن يتلاعب بمؤسسات مهمة تشكل مصدر قلق في واشنطن، بعد انتهاء عهد مصطفى الكاظمي، وهذه المؤسسات هي البنك المركزي ووزارة المالية وقوة مكافحة الإرهاب والمخابرات وإدارة القوة الجوية، إذ يمتلك العراق ثلاثة أسراب من طائرات إف 16 الأميركية، التي تخضع لصيانة متواصلة بعد كل غارة، على يد مستشاري الجيش الأميركي.

ويذكر مستشارون سياسيون في أربيل وبغداد، أن طهران وواشنطن تؤجلان كثيراً من الصراعات لإتاحة الفرصة أمام السوداني، لكن يصعب القول إنهما قد توصلتا إلى هدنة متكاملة، فعلى سبيل المثال، لم يشهد اقتصاد العراق حالة يقين منذ تسلّم السوداني السلطة، وهناك هزات عميقة في سوق الدولار، رغم التصاعد الكبير في احتياطي العملة الصعبة لدى بغداد هذه الأيام، وهو ما لا يجد له المراقبون تفسيراً إلا بوجود ضغوط أميركية لفرض قيود أشد على انتقال الأموال، خشية أن يتحول عهد السوداني إلى حقبة تسهّل لإيران خرق المزيد من العقوبات عبر السوق العراقي.

وأمس أصدر البنك المركزي العراقي بياناً أعاد فيه الارتفاع البسيط، الذي شهده سعر صرف الدولار، إلى عوامل، منها بناء منصة إلكترونية ترفع المصارف طلبات زبائنها عبرها، مشدداً على أن احتياطياته والملاءة المالية للدولة عموماً بحالة ممتازة وفي أفضل مستوياتها منذ عقود، وأن العرض الحالي للعملة الأجنبية لا يرتبط بالموارد بل بالإجراءات الإدارية والتدقيقية، مما سيتم تجاوزها خلال الأيام المقبلة.

واختفت بنحو مفاجئ 4 مصارف من مزاد العملة اليومي في «المركزي»، من أصل 8 مصارف عراقية تشارك في تنظيم تدفق العملة الصعبة في البلاد، وتعود ملكية المصارف المطرودة من مزاد الدولار إلى أشخاص ذوي علاقة مالية معلنة مع الفصائل المسلحة.

ويبدو أن هناك نوعين من «السباق على السوداني»، أحدهما دولي، والآخر محلي.

محلياً، يبدو المالكي، وهو قلق من فقدان التحكم في السوداني، لأنه يسمع تهامس الساسة الشباب داخل الكتلة الشيعية، ومفاده أن الوقت حان لمنح السلطة لجيل جديد. ويقال إن عمار الحكيم الذي سبق أن انفصل عن «الشيوخ والعجائز» في حزبه، يحاول أن يقنع شباب الكتلة الشيعية بخوض هذه المواجهة وتصفية حسابات بلا نهاية مع المالكي.

وأمس الأول التقى السوداني قائد القيادة الوسطى الأميركية (سنتكوم) الجنرال مايكل كوريلا، بحضور السفيرة الأميركية، وبحثا التعاون والتنسيق العسكري بين العراق والولايات المتحدة.

وذكر بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء أنه «جرى خلال اللقاء البحث في أوجه التعاون والتنسيق العسكري بين بغداد وواشنطن، إذ أكد السوداني أهمية استمرار العمل المشترك، خصوصاً في مجال تقديم المشورة والتدريب للقوات العراقية، التي تخوض المواجهة تجاه الإرهاب بفاعلية ومهنية».