فوجئ العاملون في هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات بتاريخ 10 الجاري بقرار رئيس مجلس إدارة الهيئة بالإنابة رقم 337-2024 بتغيير الهيكل التنظيمي للهيئة جذرياً، إذ تم في الهيكل الجديد التوسع كثيراً بتشكيل قطاعات وإدارات وأقسام، بما يتعارض مع توجه الحكومة نحو تقليص وترشيد التوسع في إنشاء الهياكل الإدارية للجهات الحكومية.
ولعل الصورة تتضح حين نقارن الهيكل الجديد للهيئة مع هيكل أحد أقرانها في المنطقة، وهي هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية بالإمارات، وهنا تجدر الإشارة إلى أن اختصاصات الأخيرة تشمل تنظيم الاتصالات، إضافة إلى اختصاصات متعلقة بتطبيق الحكومة الرقمية، وتمكين التحول الرقمي في الحكومة الاتحادية، وهي اختصاصات أوسع بكثير من تلك الاختصاصات المنوطة بالهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات بالكويت.
في هذا السياق، ولمعرفة مدى الفرق بين حجم مسؤوليات واختصاصات الهيئتين، يمكننا التعرف على مسؤوليات أحد القطاعات في هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية، وهو قطاع المعلومات والحكومة الرقمية، إذ يتولى هذا القطاع مسؤولية تمكين التحول الرقمي في الحكومة الاتحادية، من خلال دعم البنى التحتية والاستراتيجيات وتعزيز الكفاءات، بما يدفع عجلة التحول الرقمي للوصول إلى حكومة رقمية متكاملة توفر للمتعاملين خدمات رقمية انسيابية وسريعة على مدار الساعة ومن أي مكان.
كما يعمل قطاع المعلومات والحكومة الرقمية على صياغة وتنفيذ خطط التحول الرقمي والإشراف على خريطة طريق وطنية شمولية لتنفيذ المبادرات والمشاريع، تماشياً مع استراتيجية الحكومة، وبما يسهم في تحقيق المؤشرات الوطنية ذات الصلة، ويوفر كل الظروف الملائمة للحصول مراكز متقدمة عالية عالمياً في الخدمات الرقمية، كما حدث في مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية الصادر في سبتمبر 2024، الذي احتلت فيه المركز الحادي عشر عالمياً.
لكن مع كل تلك المسؤوليات المتشعبة على مستوى الحكومة الاتحادية، ومع التقدم الملحوظ الذي حققته الإمارات كدولة رائدة في المؤشرات العالمية ذات العلاقة بالاتصالات والحكومة الرقمية، فإن الهيكل التنظيمي لهيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية لا يحوي ذلك التشعب والتوسع غير المبرر وغير المنطقي الذي رأيناه في الهيكل الجديد للهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات بالكويت.
وبمقارنة سريعة بين الهيكلين، نجد أنه يوجد منصبان، هما المدير العام ورئيس مجلس إدارة في هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية بالإمارات، لفصل الجهاز التنفيذي عن مجلس الإدارة فيما يتعلق بالأعمال، بما يضمن عدم تداخل الاختصاصات بين المنصبين، كما أنه لا يوجد عضو مجلس إدارة متفرغ في الهيئة.
ونجد أن الهيكل التنظيمي في الجهاز التنفيذي لهيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية بالإمارات يحتوي على ثلاثة قطاعات فقط، تشتمل على 12 إدارة، تحتوي على 35 قسماً، بينما يحتوي الهيكل التنظيمي الجديد للجهاز التنفيذي للهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات بالكويت على خمسة قطاعات، تشتمل على 20 إدارة، تحتوي على 62 قسماً.
كما أن تقسيم القطاعات في هيكل هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية في الإمارات هو تقسيم منطقي مبني على مجالات عمل الهيئة (تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية)، بما يتوافق مع أفضل الممارسات العالمية في هذا المجال، إذ يتكون الهيكل من ثلاثة قطاعات، وهي: قطاع المعلومات والحكومة الرقمية، قطاع الاتصالات، وقطاع الخدمات المساندة.
وبنظرة على هيكل هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية بالإمارات نجد أن هناك مهام يقوم بها قطاع الخدمات المساندة الذي يحتوي على 4 إدارات، وهي: إدارة الاتصال المؤسسي، وإدارة الموارد البشرية، وإدارة الشؤون الإدارية، وإدارة الشؤون المالية، إضافة إلى مهام تقوم بها إدارة الاستراتيجية والمستقبل، وهي إدارة تتبع الرئيس، وتحتوي بدورها على 3 أقسام، بينما يقوم بهذه المهام مجتمعة في الهيكل الجديد للهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات بالكويت قطاعان، هما قطاع التخطيط الاستراتيجي والحوكمة، وقطاع الخدمات المساندة، اللذان يحتويان على 7 إدارات و21 قسماً.
من جهة أخرى، فإن مهام تنظيم ومراقبة السياسات والتراخيص والمنافسة وشؤون المستهلك في قطاع الاتصالات في هيكل هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية بالإمارات تقع تحت إدارة واحدة، وهي: إدارة الشؤون التنظيمية، بينما في الهيكل الجديد للهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات بالكويت توزعت هذه المهام على قطاعين منفصلين، هما قطاع السياسات والنظم، وقطاع الرقابة.
كما نلاحظ في الهيكل الجديد للهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات أن مهام إدارة الطيف الترددي تفككت وتوزعت بين قطاعين منفصلين، بينما نجد مهام إدارة الطيف الترددي في هيكل هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية بالإمارات تقع تحت إدارة واحدة، وهي إدارة الطيف الترددي.
من جهة أخرى، وبمقارنة الهيكلين نتلمس الخلل الكبير في تصميم الهيكل الجديد للهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات، من خلال تفريخ أقسام فرعية من أقسام رئيسية، فضلاً عن إنشاء أقسام لا توجد حاجة لإنشائها، كأقسام منفصلة قائمة بذاتها، بل يمكن الاكتفاء بجعل ما يتعلق بعملها مهام تحت أقسام أكبر.
على سبيل المثال في الهيكل الجديد للهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات نجد ما يلي:
• قسم الخدمات ذات القيمة المضافة هو جزء من خدمات الاتصالات ولا يحتاج إلى قسم قائم بذاته.
• أقسام فحص السجلات، التواصل الداخلي، التواصل الخارجي، الدعم والمتابعة، ومتابعة المشاريع هي أقسام تمثل مهام تنظيمية ولا ترقى هذه المهام الجزئية إلى أن تحول إلى أقسام قائمة بذاتها.
• تحت قطاع البنية التحتية والعمليات توجد إدارة نظم المعلومات، وهي تحتوي على قسمين، بينما في هيكل هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية بالإمارات يقوم قسم واحد فقط، وهو قسم الدعم الداخلي لتقنية المعلومات، بالمهام التي تقوم بها إدارة نظم المعلومات بقسميها.
وفي نفس القطاع نجد أن إدارة خدمة العملاء تحتوي على 4 أقسام، بينما في هيكل هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية بالإمارات يقوم قسم واحد فقط، وهو قسم إسعاد المتعاملين، بكل هذه المهام التي تقوم بها إدارة خدمة العملاء بأقسامها الأربعة.
لذلك نرى أن هيكل هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية في الإمارات هو هيكل منظم ومتسق ويتماشى مع الحاجة الفعلية للعمل – رغم تعدد وتشعب المسؤوليات على مستوى الحكومة الاتحادية - دون توسع مخل أو تكرار أو تداخل في اختصاصات الأقسام، وهو ما وجدناه جلياً وصارخاً في الهيكل الجديد للهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات، مما يؤثر سلباً على سير العمل في الهيئة، ويكلف المال العام أعباء مالية، لاسيما أن كادر الهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات يعتبر من أعلى الكوادر تكلفة في القطاع الحكومي بالدولة.
ولا يخفى على الجميع أهمية قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في تطوير الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل، لذلك ندعو المسؤولين في الدولة إلى ضرورة إلغاء قرار رئيس مجلس إدارة هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات بشأن الهيكل الجديد، ومطلوب العودة إلى الهيكل السابق مع تعديله وفق أفضل الممارسات العالمية في هذا المجال، وبما يتوافق مع توجهات الدولة نحو تطوير وحوكمة وتخصيص قطاع الاتصالات وتحقيق التحول الرقمي، ورفع رتبة الكويت في المؤشرات العالمية ذات العلاقة بالاتصالات والحكومة الرقمية، مع الاستفادة من تجارب الهيئات المماثلة بالمنطقة في تصميم هياكلها الإدارية.