كلنا يتذكر قصة المحتال الأردني في عام 2015، الذي انتحل شخصية شيخ دين سنّي واعتلى منابر مساجد السنّة في الكويت ليخطب في المصلين ويجمع التبرعات دون التحقق من هويته، ثم انتحل شخصية شيخ دين شيعي وكرر فعلته بالصعود على منابر مساجد الشيعة ليخطب في المصلين بغية الحصول على تبرعات، وتكرر إهمال المصلين كشف هوية هذا المحتال، الذي استطاع أن يجمع أكثر من 50 ألف دينار كويتي من مسلمي الكويت، ولم يتم إلقاء القبض على هذا المحتال إلا بعد أن علمت وزارة الداخلية أنه جمع تبرعات دون ترخيص رسمي. من هنا تكتشف أنه لولا كثرة جهلاء الدين لما استطاع هذا المحتال أن يخدع أحد من السنّة والشيعة، فكم مستشيخ مثل هذا المحتال عاشوا بيننا لسنوات وخدعوا جهلة الدين المعتمدين على مبدأ (قطها براس عالم واطلع منها سالم)؟

الغريب أنه تصلني من بعض أصدقائي السنّة مقاطع فيديو لشيوخ دين شيعة غير معروفين يقومون بتوجيه أقذع السباب للسنّة، كما تصلني من بعض الأصدقاء الشيعة أيضاً مقاطع فيديو لشيوخ دين سنّة لا يعرفهم أحد يوجهون الشتائم وعبارات التكفير للشيعة، ولولا جمع من المثقفين من الكويتيين السنّة والشيعة لكانت علاقات الطائفتين في خبر كان، ورغم كثرة رجال الدين مجهولي الهوية، الذين يطلون علينا من خلال مقاطع الفيديو، لم يطرح أحد من متابعي هذه المقاطع الدينية المؤذية لعقيدتنا ووحدتنا الوطنية أي سؤال حول هوية هؤلاء المستشيخين المخربين، وعن انتماءاتهم الدينية والسياسية ومصادر تمويلهم، ولا اشتكى أحد برفع دعاوى قضائية ضدهم لأنهم شوّهوا ديننا الحنيف، ولا بذل أحد أدنى جهد لإثبات أنهم دخلاء على مجتمعنا الآمن المتصالح مع فروقاته المذهبية.

Ad

ورغم ذلك يجب الإقرار أن (الرصاصة اللي ما تصيب تدوش) عقول جهلاء الدين من كل الأديان ومن كل الطوائف الدينية فتنكأ جروح فروقات تافهة لم ينته الجدل حولها منذ الأزل، ويتجاهلون حقيقة ناصعة مفادها أن الأديان كلها بنيت على الأخلاق، فقرآننا الكريم يؤكد لنا أن رسولنا (صلى الله عليه وسلم) كان «على خلق عظيم»، وأنه «لو كان فظاً غليظ القلب لانفض المسلمون من حوله»، وأن الرسول «بعث ليتمم مكارم الأخلاق»، فما أهمية الفروقات بين المذاهب والأديان إذا كان أتباعها يتصفون بالأخلاق الرفيعة؟ وما فائدة مسلمين من طائفة واحدة «لكن أخلاقهم زفت»؟ وكيف نحقق مضمون الآية (13) من سورة الحجرات «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»، إذا لم تتصف هذه الشعوب والقبائل بأخلاق حميدة تساعد في نقل ثقافاتها للآخرين؟ وقد اعتمد الموساد الإسرائيلي على كثرة جهلاء الدين بيننا لبث سمومهم، ولهذا قال بن غوريون أول رئيس وزراء لدولة إسرائيل إن قوة إسرائيل ليست في سلاحها النووي، ولكن في تفتيت الدول العربية الكبيرة (العراق وسورية ومصر) المحيطة بإسرائيل إلى دويلات متناحرة على أسس دينية وطائفية، مؤكداً أن نجاح إسرائيل في هذا الأمر لا يعتمد على ذكاء الإسرائيليين بقدر ما يعتمد على جهل وغباء العرب. وقد تحقق كثير من فصول هذه الخطة على أرض الواقع عندما بدأ جهاز الموساد بتأسيس جامعة تل أبيب الإسلامية في سنة 1956، كوسيلة لتدريب عملائه على التوغل في المجتمعات العربية والإسلامية وتفتيتها ومن ثم تدميرها، فهم لا يكتفون بالتخطيط من أجل الانتشار السرطاني في البلدان العربية فقط، بل إنهم يلاحقون المغتربين المسلمين والعرب في شتى أنحاء العالم للتشويش على عقولهم ومعتقداتهم. وللحديث بقية.