يمكن تحليل صعود دونالد ترامب السياسي وشعبيته، خصوصًا من منظور لغوي، من خلال أسلوبه البلاغي المميز واستخدامه الاستراتيجي للغته السياسية، إذ يتسم أسلوبه اللغوي بالبساطة والتكرار وقدرته على التواصل مع قاعدته الشعبية.

يستخدم ترامب لغة بسيطة يسهل على الجمهور العام فهمها، على عكس اللغة السياسية المعقدة التي يمكن أن تبعد المرشحين عن الناخبين، ويتحدث بجمل قصيرة ولغة يومية، متجنبًا المفردات المعقدة والمصطلحات التقنية، مما يجعله يبدو أكثر ارتباطًا وتواصلًا مباشرًا، كما تعتمد شعاراته مثل «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى» على التكرار والإيقاع، واستخدام «الأخبار الكاذبة»، و«تجفيف المستنقع»، و«أميركا أولاً» لتعزيز أفكار الناخبين، هذا التكرار لا يرسخ رسالته فحسب، بل يقوي أيضًا إيمان مؤيديه بأفكاره الرئيسة كالوطنية والتشكيك في المؤسسات الإعلامية.

Ad

يشتهر ترامب بإطلاق ألقاب باستخدام أساليب دونية على منافسيه مثل «هيلاري الكاذبة» أو «جو النائم»، أو «كامالا الكسولة»، تعمل هذه الألقاب على تبسيط الخلافات السياسية المعقدة وتحويلها إلى توصيفات سلبية يسهل تذكرها، ويساعد هذا الأسلوب في خلق انقسام واضح بينه وبين منافسيه.

تتضمن خطاباته السياسية غالبًا لغة وطنية مثل «أميركا أولاً»، مما يلقى صدى لدى الجمهور الذي يشعر بأن قيمه قد تم تجاهلها لصالح المصالح العالمية، ويعزز ترامب من خلال هذه اللغة الشعبوية فكرة «نحن ضدهم»، حيث يقدم نفسه كمدافع عن «الشعب العادي» في مواجهة نخبة يُنظر إليها على أنها فاسدة بالإضافة إلى أن لغته تعتمد على إثارة الخوف والتوجهات العاطفية، خصوصًا فيما يتعلق بالهجرة والجريمة والأمن القومي، من خلال استخدام مصطلحات مثل «غزو» و«فوضى»، ويثير ترامب شعورًا بالإلحاح والتهديد الذي يتفاعل معه الناخبون المعنيون بهذه القضايا.

يمكن للناس أن يعيشوا في عوالم لغوية مختلفة تمامًا، اعتمادًا على ميولهم السياسية وبيئة وسائل الإعلام التي يتابعونها، كما توضح نيكول هوليداي، أستاذة اللغويات في جامعة كاليفورنيا، وتعرّفنا على ظاهرة لغوية تُدعى «الشبولة» (shibboleth)، وهي كلمة أو عبارة أو نطق يميز مجموعة عن أخرى، فبعض المصطلحات التي استخدمت في المناظرة، مثل «مهاجرين غير شرعيين» و«مهاجرين مجرمين»، تعتبر أمثلة على الشبولات التي تشير إلى توجهه السياسي.

توضح هوليداي أن المرشحين الرئاسيين غالبًا ما يتخلون عن بعض لهجاتهم الإقليمية ويتبنون ملامح لغوية أكثر عمومية ليبدو أكثر رسمية أو «رئاسيين»، وهنا كل من كامالا هاريس ودونالد ترامب قاما بذلك بدرجات متفاوتة، لكن في بعض الأحيان، يظهر ما يسمى «مراقبة اللغة الاجتماعية المتحدثة» أو «إطار التكيف اللغوي الجماهيري» حيث يحول المتحدث الأسلوب اللغوي استجابة لجمهوره، فتبرز لهجة المرشح بقوة، حدث ذلك خلال المناظرة الرئاسية عندما نطق ترامب كلمة terror كـ«تير-آه» ويتمثل هذا في إسقاط صوت الراء بعد صوت ساكن. من جهة أخرى، كثيرًا ما يستخدم ترامب عبارات مثل «أفضل اقتصاد على الإطلاق» أو «أقوى جيش»، مما يعزز من صورته كمن يسعى للإنجازات العظيمة ويعزز إيمان مؤيديه بقدرته على تحقيق نجاحات غير مسبوقة.

ساعدت هذه الأساليب اللغوية ترامب في التواصل مع مشاعر الناخبين وهوياتهم، مما جعل الأفكار السياسية المعقدة بسيطة وفي متناولهم، من خلال التركيز على لغة بسيطة وعاطفية، وتجنب التحليل السياسي التقليدي، مما سمح له بالتواصل مع جمهوره بشكل مباشر وسهل التذكر.