منذ فجر التاريخ كان الإنسان البدائي يعيش ضمن جماعات بدائية متناثرة، ثم بدأ يتحوّل من الحالة البدائية ليبدأ بإنشاء المجتمعات ليصل أخيراً إلى الإنسان المتحضر الذي يعيش ضمن دول حديثة، ومن هنا تملك البشرية آلاف السنين من التاريخ المسجّل الحافل بالأحداث التاريخية والإنجازات البشرية التي رسمت تاريخ البشر، وتمكّن الإنسان من بناء ممالك خالدة وإمبراطوريات قوية عبر الأزمنة بفضل ما قدمته للبشرية من فكر وعلوم واختراعات واكتشافات وفنون وشخصيات عظيمة غيّرت وجه التاريخ. وكما يشهد التاريخ البشري العديد من القادة العظماء، فقد شهد أيضاً عدداً كبيراً من القادة الطغاة والمستبدين الذين نكّلوا بالناس وغزوا الدول وكان تاريخهم مشبعاً بالحروب والصراعات والويلات، فالأطماع التي كانت تراود الطغاة فضلاً عن أحلامهم التوسعية جعلت تاريخهم أيضاً مليئا بالقتل والغزو والسلب والسبي والتعذيب، مثل جنكيزخان وإيفان الرهيب والملك ليوبولد الثاني وماوتسي دونغ وهتلر وموسوليني وستالين ومعمر القذافي وصدام حسين وغيرهم.

كل هؤلاء الطغاة مهما علا شأنهم لديهم شيء مشترك فيما بينهم، وهو أنه لا شيء يدوم، والموت يأتي إلينا جميعاً والقوة تتدهور ولن تستمر الى الأبد، وفي نهاية المطاف فإن القوة مجرد خيال، فكيف ما زال قادة اليوم الطغاة مع كل كنوز المعرفة والكم الهائل من الدروس على مر التاريخ التي يمتلكونها، يقومون بالأخطاء نفسها؟ كيف لا يتعظ طغاة اليوم من هذه التجارب؟

Ad

وهنا أتذكر قصيدة «أوزيماندياس» التي كتبها الشاعر الرومانسي الإنكليزي ب. ب. شيلي عن الملك المتغطرس والمستبد أوزيماندياس الذي كان يخافه الناس بسبب قوته وقسوته، بنى هذا الملك لنفسه تمثالاً عظيماً لتتذكره الأجيال القادمة، ويتحدث الشاعر في القصيدة عن ضخامة هذا التمثال ويصف التعبير الظاهر على وجه التمثال بأنه كان تعبيراً قاسياً وعابساً مع شفة متجعدة تظهر الملك وكأنه ينظر إلى الآخرين باستعلاء وازدراء. في بداية هذه القصيدة، يخبرنا الشاعر عن لقائه مع أحد الرحّالة، الذي أخبر الشاعر عن رحلته في صحراء قاحلة وبعيدة وليس حوله إلا الرمال، يصف هذا الرحّالة أنه حينما كان يمشي في تلك الصحراء مرّ على بقايا رجلين كبيرتين من الحجر لتمثال متهالك من دون جذع، وبجانب تلكما الرجلين رأس نصفه مدفون في الرمال، أما على قاعدة التمثال فهناك كلمات محفورة تقول: «اسمي أوزيماندياس، ملك الملوك، انظروا إلى ما بنيته، أيها الذين تعتقدون أنفسكم أنكم أقوياء، أيها اليائسون أمام روعة وتفوق إنجازاتي!».

وهنا نظر الرحّالة حوله ولم يجد إلا مساحات من الرمال الفارغة التي تمتد إلى مسافات بعيدة ومن دون أي شيء يحيط بها، وبنبرة رثائية وساخرة في الوقت نفسه، تشير القصيدة إلى النقش المكتوب على التمثال مقارنة مع الواقع الباهت للتمثال حالياً، وبالتالي فإن كل شيء مصيره إلى زوال وأن القادة مهما علا شأنهم فإن ممالكهم ستتهاوى والسلطة والمناصب والثراء لا تدوم إلى الأبد وهم أيضاً سيندثرون في رمال الزمن. إن الغرور والكبرياء والجبروت لن تجعلك خالداً أو صامداً أمام واقع الحياة، ولكن كان من الأفضل لو تم استخدام القوة في سبيل البشرية وصالحها عوضاً عن إساءة استخدامها.

أوزيماندياس القوي والمتغطرس لم يهزمه إنسان آخر، لكنه لم يصمد أمام قوى الزمن والطبيعة.