الفوبيا أو مرض الرهاب، هذا الداء الذي استشرى بين الشعوب العربية، ولا سيما شعوب الخليج، حتى أصبح كابوسًا يفتك بهم، وينتشر في أوساطهم كالنار في الهشيم. لقد أرّق ليلهم وقضّ مضجعهم، فما عادوا يرون الأمور من حولهم كما هي، بل بات كل حدث، مهما كان عابرًا، يُفسّر على أنه مؤامرة كبرى تهدد وجودهم!
إن المصابين بهذا الداء أتعبوا أنفسهم وأثقلوا أرواحهم، خاصة غلاة التبديع وأتباعهم السُّذَّج من غلاة الطاعة، الذين تقمصوا شخصية «دون كيشوت»، فجعلوا من الطواحين المحيطة بهم وحوشًا كاسرة متأهبة لافتراسهم. الفوبيا ترسم لهم أوهامًا مرعبة، مثل خطر الإخوان، تغلغل السرورية، وفيروس الحزبية، فتضعهم في حال هجوم ودفاع مستمرة... والمؤسف أن محاولتك لنزع هذا القناع من عقولهم، وشرح الواقع كما هو، غالبًا ما تُواجه بالرفض، فما إن تُبيّن لهم أن ما يهربون منه ويقذفونه بالحجارة ليس سوى طاحونة هوائية تحركها الرياح، حتى تراهم يتحولون إلى «دون كيشوت» نفسه، يطيلون النظر إليك بعينين يتطاير منهما الشرر، وكأنك طاحونة أخرى تسعى للنيل منهم!
القضاء على هذا المرض، الذي أسميه «فوبيا الطواحين الشريرة»، بات مستحيلاً عند هذه الفئة، ذلك لأن المرض قد استوطن عقولهم الباطنة وتجذّر فيها، ولا أرى له علاجًا ما دام «الراوي»، الذي يقتات على بث الخرافات، يتصدر مجالسهم، ويروي لهم قصص «دون كيشوت» على طريقته، وهم محيطون به، وعيونهم شاخصة، وقلوبهم تنبض رعبًا، فهذا الراوي يتفنن في إثارة مخاوفهم، حتى جعل من الطواحين كابوسًا يسيطر على أذهانهم، حيث أصبح كل فرد يرى في الآخر عدوًا متربصًا، وطاحونة شريرة تسعى للنيل منه
نقطة مهمة:
قالوا لي إن رواية دون كيشوت إسبانية الأصل، فقلت: مستحيل! إذ إن أحداث الرواية وشخصياتها عربية بامتياز! ولعل «دون كيشوت» نفسه إسباني الجنسية، ولكن جذوره خليجية عربية، تعود إلى أولئك العرب الذين استوطنوا الأندلس في قديم الزمان.