نقطة: الخام قبل الخياط
هناك فارق خيالي جداً بين الديموقراطية الكاملة التي نصبو لها ونتمسك بها وبين مخرجات الانتخابات النيابية في العقود الأخيرة، لكن علينا ألا نغفل أن الفرد هو نواة الديموقراطية، فما حدث هو أنه بعد سنوات من العبث شبه المبرمج بالتعليم وانحدار مستواه في المراحل التأسيسية بسبب عدة عوامل وتداخلات، ثم ما تبعه من الابتعاث المكثف لدول عربية لم تنفع نفسها بعلمها وجامعاتها الهزيلة أساساً، في حين لم يتحصل منها طلابنا إلا على شهادات تمنح صاحبها ثقة عمياء بالنفس من دون أي علم أو معرفة حقيقية، وذلك كله جاء بالتزامن مع ترك الساحة السياسية التحضيرية للجمعيات الدينية الحزبية لالتقاط الأطفال والشباب وتجنيدهم سواء من خلال الفروع المنتشرة بتركيز في المناطق السكنية أو سيطرتهم على المساجد الحكومية، فإن هذا الفرد سواء كان ناخباً أو نائباً قد أُفسد بفضل التراخي واللامبالاة الحكومية سواء عمداً أو جهلاً، وتربص الكافرين بالديومقراطية أصلاً من جهة أخرى للقضاء عليها أو في أحسن الأحوال ترويضها من الداخل والاستفادة من آليتها بما يناسب أفكارهم وعقدهم وأحلامهم الرجعية.
التغيير الاجتماعي والإداري الهائل الجاري الآن على تخومنا في المملكة العربية السعودية ليس وليد سياسات ورؤية الأمير محمد بن سلمان فقط، فالفضل أساسه يعود لخطة الابتعاث الكبرى التى دشنها الملك المغفور له عبدالله بن عبدالعزيز وبدأت بإرسال الشباب السعودي بأعداد كبيرة لأفضل وأكبر الجامعات حول العالم من أميركا حتى اليابان، ليعودوا بعدها محملين بالتعليم الجيد وثقافات جديدة وأهمها القدرة على الانفتاح على الآخرين، وذلك مما مهد بالتالي الأرضية وسهل الطريق أمام رؤية الأمير الشاب وأفكار التغيير الآتي بها، والأمر ذاته ينطبق على الشقيقة قطر التي اتضح بشكل لافت عمق التغيير والتطور على الصعيد العمراني والبشري فيها عند تنظيمها للمونديال الذي أبهرت به العالم.
لا شيء يصلح نفسه بنفسه، وإذا كنا نأمل عودة الحياة النيابية بعد سنوات بذات المقدمات القديمة فلا يجب أن نتوقع نتائج جديدة، أما التوجهات الإصلاحية الجارية الآن فقد تغير وجه البلاد لا قلبها، وهو الفرد الذي يرشح وينتخب، ومع أول هبة انتخابات جديدة قد تعود ذات الأفكار والعقد وإن اختلفت الوجوه، لتتلف كل التحديثات، فقد حاول الشيخ صباح الأحمد- رحمه الله - التغيير حين عدل آلية الانتخاب، فكمنت الوجوه القديمة والعقليات المتحجرة والأفكار الدائرية لفترة محدودة تفهم بها الآلية الجديدة وتحللها ثم أعادت تموضعها ورجعت أقوى مما كانت وأسوأ وبلا أي نقد ذاتي أو مراجعة كانت مرجوة للنفس والمسار، وأظنهم اليوم نادمين رغم أن بعض الظن إثم، ليبقى اليوم أمامنا الطريق الأكثر أماناً والأصعب بذات الوقت لتغيير المستقبل نحو الأفضل بإصلاح التعليم بالتوازي مع خطة ابتعاث كبرى جادة تعيد للكويت ريادتها وألقها وستنعكس بالضرورة على الإدارة الحكومية والحالة السياسية القادمة مما سيضمن معه استمرار توجهات وإصلاحات المرحلة الحالية، فالناخب دائماً أهم من الصندوق.