اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عدة شخصيات سبق أن أثارت غضب الرأي العام الأميركي بسبب اتهامات ذات طابع جنسي، مما أعاد طرح تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الاختيارات تعكس رغبة واضحة في إعادة تعريف المعايير الاجتماعية والسياسية، ومحاصرة الحركات التقديمة والنسوية، خصوصاً حركة «أنا أيضاً - مي تو»، غير آبه بالضغوط العامة أو التداعيات الأخلاقية.

تعيينات مثيرة للجدل

Ad

ومن بين الشخصيات المثيرة للجدل التي اختارها ترامب لشغل مناصب حساسة، تبرز أسماء مات غايتز، بيت هيغسيث، روبرت كينيدي الابن، وإيلون ماسك، وجميعهم يواجهون اتهامات بسوء السلوك أو الاعتداءات الجنسية. فعلى سبيل المثال، يُشتبه في تورط غايتز في الاتجار الجنسي بقاصر، بينما واجه هيغسيث تهمًا بالاعتداء الجنسي حُلّ بتسوية مالية. أما ماسك، فقد وُجهت له اتهامات من موظفات سابقات بمعاملته النساء كأدوات جنسية.

وتبدو هذه التعيينات وكأنها جزء من «استراتيجية مدروسة»، وفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز»، التي قالت إن ترامب لا يرى في هذه الاتهامات عائقًا بل ربما ميزة، وهو يسعى من خلال إحاطة نفسه بشخصيات مثيرة للجدل، ليس فقط لتقليل تأثير الاتهامات الموجهة إليه، بل أيضًا لتطبيع سلوك كان يُعتبر مرفوضاً في الماضي.

وبدلا من الرضوخ لضغوط الرأي العام، يبدو أن ترامب يهدف إلى إثارة مواجهة مباشرة مع حركة «أنا أيضاً - مي تو»، وفقًا للخبيرة في قضايا النوع الاجتماعي لي غيلمور، موضحة أن هذه التعيينات تمثل محاولة لإعادة تعريف المعايير الاجتماعية، وقالت «إنه يخلق رؤية مختلفة للعالم. إنه يغير المعايير».

ومنذ انطلاقتها في العام 2017، ساهمت حركة «مي تو» في فضح انتهاكات جنسية وإسقاط شخصيات نافذة، ومع ذلك، فإن صعود شخصيات مثل ترامب، التي ترفض تمامًا الاتهامات الموجهة إليها، يمثل مرحلة صعبة للحركة.

استراتيجية الانقسام

ويعتمد ترامب على قاعدة انتخابية تتأثر بثقافة «البرو» والشعور بالاستياء من التقدم النسوي. ومن خلال استغلال هذه المشاعر، يسعى إلى تعزيز قاعدة سياسية ترفض القيم التقدمية التي تروج لها حركة «مي تو»، كما ذكرت صحيفة «بوسطن غلوب»، مؤكدة أن هذا السلوك يعكس محاولة لتهميش الحركة وجعلها تبدو وكأنها مجرد «وهم» في أميركا تحت قيادة ترامب.

وإلى جانب الشخصيات الذكورية المثيرة للجدل، اختار ترامب أيضًا شخصيات مفاجئة لمناصب رئيسية، من بينها، ليندا مكماهون، الرئيسة السابقة لاتحاد المصارعة، التي عينت وزيرة للتعليم. وتُعرف مكماهون بدعمها المالي لترامب ودورها في فريقه الانتقالي، لكنها تثير الجدل بسبب مواقفها المحافظة التي تعارض حقوق النساء والأقليات في التعليم.

كما تم تعيين د. محمد أوز، الجراح الشهير والمقرب من ترامب، لتبوؤ منصب صحّي رئيسي، إذ عيّنه مديراً لبرنامج التأمين الصحي العمومي العملاق. وكان أوز، الذي أثار الجدل بتوصياته الصحية خلال جائحة كوفيد-19، مدافعًا عن استخدام لقاح كلوروكين الذي دعمه ترامب أيضًا.

وتعكس هذه التعيينات توجهًا لتفضيل الولاء الشخصي على الكفاءة، مما يُبرز رغبة ترامب في تشكيل إدارة تتوافق مع رؤاه، بغض النظر عن المؤهلات أو الجدل المحيط بالمرشحين.

تداعيات دولية

ولا تقتصر تأثيرات اختيارات ترامب على الولايات المتحدة وحدها، فقد تؤدي عودته إلى السلطة إلى تأجيج التوترات دوليًا، خصوصًا في آسيا وأوروبا. وخلال ولايته الأولى، أضعف ترامب التحالف العسكري مع كوريا الجنوبية، مما يفسر أن 70 بالمئة من الكوريين الجنوبيين يرغبون اليوم في أن تمتلك بلادهم القنبلة النووية مع تراجع الثقة في الضمانات الأميركية، وفقًا لمسح أجراه معهد آسان للأبحاث النووية.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وقعتا اتفاقًا في العام 2023، خلال إدارة بايدن، يؤكد لسيول حماية المظلة النووية الأميركية في حالة تعرضها لهجوم، فإن عودة ترامب تغذي رغبة كوريا الجنوبية في امتلاك ترسانة نووية، بعد أن احترقت خلال ولاية ترامب الأولى عندما وضع حدًا للتدريبات العسكرية المشتركة وهدد بسحب جنوده من شبه الجزيرة لاعتقاده بأن سيول لا تستثمر بالقدر الكافي في الدفاع.

حتى أن ترامب أكد عندما كان مرشحًا للرئاسة في 2016 أنه منفتح على حصول اليابان وكوريا الجنوبية على القنبلة النووية، فيما أوضح الباحث الكوري الجنوبي تونغفي كيم، خلال محاضرة في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، أن الابتزاز النووي الروسي في أوكرانيا وحقيقة أن كوريا الشمالية تثير الآن شبح استخدام الأسلحة الذرية في صراعها مع عدوها في الجنوب، قد غيرت رأي صناع القرار في سيول.

وأضاف أنه «على الرغم من أن احتمال أن تسعى سيول إلى تطوير ترسانة نووية لا يزال منخفضًا، إلا أنه أعلى بكثير في ظل إدارة ترامب»، مشيرا إلى أن الرئيس الكوري الجنوبي نفسه أعلن في أوائل 2023 أنه إذا زاد التهديد الكوري الشمالي، فإن بلاده ستفكر في مطالبة الولايات المتحدة بنشر أسلحة نووية في شبه الجزيرة.

سلام أوكرانيا

وفي أوكرانيا، التي أنهكتها ثلاث سنوات من الحرب مع روسيا، وأقر رئيسها فولوديمير زيلينسكي بإمكانية الهزيمة مع تعطل الدعم الغربي، نقلت وكالة «رويترز» عن مصادر من الكرملين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منفتح على مناقشة اتفاق لوقف إطلاق النار مع ترامب، لكنه يستبعد تقديم أي تنازلات كبيرة تتعلق بالأراضي ويتمسك بتخلي كييف عن طموحاتها الخاصة بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.

وتأتي عودة ترامب، الذي تعهد بإنهاء الصراع بسرعة، إلى البيت الأبيض في وقت يرتفع فيه نجم روسيا في أوكرانيا، فموسكو تسيطر على أراض في أوكرانيا بمساحة ولاية فرجينيا الأميركية وتتقدم بوتيرة هي الأسرع منذ الأيام الأولى للغزو العام 2022.

وقال المسؤولون الروس الخمسة إن الكرملين قد يوافق على تجميد الصراع على طول الخطوط الأمامية مع فتح مفاوضات بشأن التقسيم الدقيق لمناطق دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون الواقعة بشرق أوكرانيا.

منطقة الساحل والصحراء

أما في إفريقيا، وتحديدا في منطقة الساحل والصحراء، أثارت عودة ترامب ترحيبا لافتا، حيث لا يزال مستخدمو الانترنت في مالي والنيجر وبوركينا فاسو يشيدون بانتصاره على كامالا هاريس، وفق ما أوضح الباحث بجامعة بروكسل، بوكار سانغاري، مشيرا إلى أن الأنظمة العسكرية التي تحكم بالمنطقة تحت مظلة «السيادة الوطنية»، معجبة بالشعار الانعزالي «أميركا أولا»، وتراه مناسبا لقرارها طرد القوات الغربية، الفرنسية والأميركية، من أراضيها.

وعلى الرغم من التوجه العنصري لترامب، الذي وصف دول القارة علنًا بأنها «دول قذارة»، يبدو أن التقارب بين الرئيس الأميركي الـ47 والحركات التي تعبر عن خطاب السيادة الجديدة في منطقة الساحل سائدا، لاسيما وأن عقيدة ترامب القومية الانعزالية تتناسب مع «احترام السيادة، واختيار الشركاء، والدفاع عن المصالح» التي أرستها الأنظمة العسكرية الحاكمة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو كمبادئ مقدسة.

وبينما احتفلت صحف «تحالف دول الساحل»، الذي يضمّ مالي وبوركينا فاسو والنيجر بعد الانقلابات العسكرية، بفوز ترامب، تعزز ميل شعوب المنطقة إلى الرجل القوي الاستبدادي القريب من الناس، والذي يجسده الجيش، حتى في ظلّ غياب حكومة أو رؤية منظمة. ويكاد ترامب يتماهى مع هذه الشخصية، كونه هو نفسه تجسيدا لهذا النموذج من القادة «الأقوياء».

كما يعزى هذا التناغم بين «الترامبية» و«السيادة الوطنية» في منطقة الساحل باشتراكهما في انتقاد جزء من السكان ضدّ النخب السياسية، واتهامها بأنها «عميلة للخارج»، والتهديد بسحب الهوية كعلاج للعولمة المنحرفة وتعريف «الذات الوطنية»، في إحالة إلى شعار ترامب الشهير «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى».

هكذا ينوي «المقاول» ماسك توفير المليارات من الإنفاق الحكومي

أعلن إيلون ماسك، الذي عينه دونالد ترامب مستشاراً خاصاً، مشروعه «الجذري» لإصلاح الحكومة الفدرالية، والذي يشمل صرف عدد كبير من الموظفين الرسميين وخفض النفقات، متعهداً بـ «التخلص سريعاً جداً» من نفقات قدرها 500 مليار دولار، من خلال خفض الدعم لهيئات البث العامة أو المنظمات «التقدمية»، كتلك التي تعنى بالتخطيط الأسري.

وكتب الملياردير، في مقال حمل أيضاً توقيع رجل الأعمال فيفيك راماسوامي، الذي سيرأس معه «إدارة الكفاءة الحكومية» المستحدثة، أنه يهدف إلى توفير مئات مليارات الدولارات في النفقات الحكومية، فضلاً عن التخلص من البيروقراطية التي تشكل برأيه «تهديداً وجودياً» للديموقراطية الأميركية.

وأوضح في المقال، الذي نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، أن الأميركيين «منحوا ترامب تفويضاً واضحاً لتغيير جذري»، مشيرا إلى أن «كماً كبيراً من القواعد الفدرالية المعمول بها» ليس لها أساس قانوني لأنها لم تقر صراحة من جانب الكونغرس، ويمكن تالياً «تعليقها فورا» بموجب مرسوم رئاسي.

ووعد ماسك بمنح الموظفين المقالين «دعماً خلال مرحلة انتقالهم إلى القطاع الخاص»، أو الاستفادة من شروط إقالة «سخية»، واقترح العودة عن مبدأ العمل عن بعد «الأمر الذي سيؤدي إلى موجة من الاستقالات الطوعية المرحب بها».

وأضاف: «نحن نقوم بالمهام بطريقة مختلفة. نحن مقاولون ولسنا سياسيين. نحن نخفض في الكلفة»، لافتاً إلى أن دوره وراماسوامي ينتهي في 4 يوليو 2026، تاريخ الذكرى الـ250 لإعلان الاستقلال الأميركي.