«الوطني للثروات»: سلسلة مقالات «قيادة الفكر»
انتقال الثروات والتخصيص الأمثل لرؤوس الأموال
يعد انتقال الثروات والتخصيص الأمثل لرؤوس الأموال من الركائز الأساسية لاستراتيجيات إدارة وزيادة الثروات بين الأجيال ومن ثم توريثها من جيل إلى آخر.
والمقصود بانتقال الثروات نقل الأصول من فرد أو مجموعة لأخرى، عبر الميراث أو الهدايا.
ووفقاً لتقرير صادر عن شركة الاستشارات «سيرولي أسوشيتس»، فإن العالم يشهد في الوقت الحالي أكبر عملية تحويل للثروات في التاريخ الحديث، حيث يتوقع التقرير أن يقوم جيل طفرة المواليد (Baby Boomers- الأفراد الذين ولدوا خلال الفترة الممتدة ما بين 1946 و1964) بنقل ما يقدر بنحو 84 تريليون دولار إلى الجيل الثاني عن طريق تخطيط التركات والميراث في العقود المقبلة.
عادة ما يُنصح المستثمرون الأكبر سناً بالحد من المخاطر المحيطة باستثماراتهم، وهو توجه منطقي عندما يكون الفرد قد ادخر بالفعل ما يكفي لضمان تقاعد مريح حتى يتجنب استنزاف مدخراته في حالة التراجع الاقتصادي. أما بالنسبة للأفراد ذوي الملاءة المالية العالية الذين نجحوا في تكوين ثروات ضخمة، فإن حاجتهم أقل من غيرهم للاحتفاظ باستثمارات متحفظة أو منخفضة المخاطر.
وينبغي على هؤلاء المستثمرين الحفاظ على أفق استثماري طويل الأجل، وتبني مستوى مخاطر أعلى نسبياً لتعظيم ثروات أسرهم على المدى الطويل، حيث إن الإفراط في الاستثمار بالأصول المنخفضة المخاطر سيقلص - على الأرجح - من العائدات طويلة الأجل، ويحد من ثروة الأسرة على المدى البعيد.
ويجب على الأثرياء اتخاذ قرارات محورية حول ما إذا كانوا يرغبون في ترك أكبر قدر ممكن من ثرواتهم للأجيال القادمة أو الاكتفاء بتقديم دعم بمستوى محدد. وبالنسبة للبعض، تبرز أيضاً قضايا خيرية يرغبون في دعمها، مما يؤدي إلى طرح التساؤلات حول كيفية تحقيق أكبر أثر إيجابي لهذه المساهمات. وعلى الرغم من أهمية النقاشات العائلية حول انتقال الثروة، تشير أبحاث معهد ميلكن إلى أن 35% من الأميركيين لا يخططون لإجراء مثل هذه المحادثات مع عائلاتهم. ورغم حساسية هذه النقاشات وما تتضمنه من حديث عن المستقبل بعد رحيل أحد أفراد الأسرة، فإنها تظل خطوة ضرورية لتحديد رؤية مشتركة حول المستقبل، وإدارة التوقعات، وضمان استعداد الجيل القادم لتحمل مسؤولية الثروة التي سيرثها وإدارتها بفعالية.
وقد يرث العديد من الأشخاص أصولاً كبيرة دون امتلاك الخبرة الكافية لإدارتها بفعالية، مما يعرّضهم لارتكاب أخطاء مالية مكلفة. ويساهم التثقيف المالي في تمكين الورثة من استيعاب استراتيجيات الاستثمار وإدارة المخاطر وأهمية التنويع، بالإضافة إلى مفاهيم أساسية كالتخطيط المالي، والضرائب، وتخطيط الميراث. كما يعزز الوعي المالي فرص الحد من النزاعات العائلية التي غالباً ما تنجم عن سوء الفهم أو اختلاف الرؤى حول الثروة. وفي نهاية المطاف، يوفر تثقيف الورثة مالياً الأسس اللازمة لتنمية ثروة العائلة وترسيخ إرث مزدهر ومستدام. وهنا يأتي دور المستشار المالي الموثوق أو مدير الثروات، الذي يمكنه دعم ومساندة الورثة وتوجيههم لاتخاذ قرارات مستنيرة تساهم في تحقيق عوائد طويلة الأجل بمستويات مناسبة من المخاطر.
وفي حين يبدو مثالياً أن يوجه مَن يرث ثروة كبيرة استثماراته نحو الأصول الإنتاجية التي تحقق عوائد طويلة الأجل، مثل الشركات، والأسهم، والسندات، والعقارات، إلا أن اتخاذ قرارات مالية غير مدروسة - مثل الإنفاق على الكماليات أو الاستثمار في أصول ذات عائد منخفض - قد يؤدي إلى تآكل سريع للثروة الموروثة.
ويجدر بالورثة الحرص على ضمان التنويع المناسب لاستثماراتهم وتبني إستراتيجية طويلة الأجل لبناء ثروة مستدامة عبر الأجيال وخلق إرث دائم، حيث إنه مع امتداد الأفق الزمني عبر الأجيال، يصبح تخصيص الأصول بهدف تحقيق عوائد مرتفعة مع قبول مستوى أعلى من المخاطر أكثر توافقاً مع أهداف النمو والاستدامة المالية.
من جهة أخرى، لدى جيل الشباب (من 21 إلى 43 عاماً) وجهات نظر متفاوتة بشأن فئات الأصول وتوزيع رأس المال على الاستثمارات المختلفة، مما يزيد من احتمالية تأثير انتقال الثروات على الأسواق المالية.
ووفقاً لدراسة أجراها بنك أوف أميركا في 2024 للأثرياء الأميركيين، تتمثل أبرز الفروق بين هذا الجيل والأجيال السابقة في اهتمامه المتزايد بالاستثمارات المستدامة، بالإضافة إلى تراجع اهتمامه بالأوراق المالية المتداولة في الأسواق العامة.