رحلت سريعاً يا ولدي ولم نشبع منك بعد، أنا وأمك الصابرة وأخوك وأختك، وأهلك وربعك ومحبوك.
رحلت يا ابننا الأصغر بالأربعين، لتلحق بأختك الكبرى التي غادرتنا بالأربعين أيضاً، وتلك إرادة الخالق وليس عليها اعتراض.
اشتقت يا ولدي لجلساتي معك حين تأتيني في مكتبتي المنزلية القريبة من غرفتك، لتفضفض لي بمكنون نفسك المليئة بالتساؤلات والتعليقات والتحليلات والاعتذارات عن أي خطأ قد ارتكبته مهما صَغُر، وتبوح لي بمقدار محبتك، وتعلق روحك بابنتك الحبيبة (ديم) البعيدة عنك في (الخبر)، وتدوّن صوتاً أو تكتب بجوّالك بعضاً مما تسمعه مني من نصائح لتستزيد منها حين تخلو إلى نفسك، ثم تحضنني بكل دماثتك ودفء مشاعرك وطيب كلماتك وتقبّل كتفي وكفّي مردداً «عسى ربي يحرّمهما على النار»، وأنا لا أزال أسترجع إحساسي بدموعك «الحرّى» وهي تتساقط على خدّي طالباً الصفح مني عمّا قد بدر منك من أخطاء، كما كنت تردد أنك لا تستطيع النوم قبل إحساسك برضا أمك وأبيك عنك، مباهياً بترديدهما على مسامعك «الجعده حبّه رعده».
سنفتقد يا ولدي فيصل مداخلاتك الإعلامية الصاخبة في البرامج الرياضية، باعتبارك أحد فرسان القلعة الصفراء (نادي القادسية) الذي سكن عقلك وروحك ومشاعرك طوال الأربعين عاماً من عمرك ولا تتوانى بالذود عن حياضه.
سوف تفتقدك يا فيصل كوكبة أصدقائك الأوفياء الذين درجت على استضافتهم في ديوانية المنزل، والذين أحاطوا بك طوال رحلات علاجك بالمستشفى الأميري، ورافقوا رفاتك بكل مراحل توديعك، وحملوك على أكتافهم وبقلوبهم إلى مثواك الأخير، وطوال أيام العزاء باكين ومحسورين.
ويا ليتك تعلم يا فيصل مقدار الاحتفاء الذي حظيت به من المعزين يوم الوداع وبعده، والذي أكد مقدار محبة الناس لك، المستقاة من محبة الخالق لعبده الماثل بين يديه.
طوبى يا ولدي لروحك الطاهرة وهي تركن بين يدي الرحمن الرحيم، الذي نسأله أن يتولاك بعنايته ومغفرته الواسعة، ويبدلك داراً خيراً من دارك وأهلاً خيراً من أهلك وجنات عرضها السموات والأرض.
إن العين لتدمع وإن القلب ليخشع وإنا لفراقك يا فيصل لمحزونون.
والدك يوسف.