بداية، قال عضو مجلس إدارة مؤسسة البترول الكويتية، العضو المنتدب للشؤون المالية والإدارية سابقاً، علي الهاجري، إن الأسباب الرئيسية لارتفاع تكاليف الإنتاج لبرميل النفط الخام تتمثل في شقين رئيسيين:

الأول يتعلق ببداية الإنتاج من المكامن الصعبة والمعقدة والأساليب المتبعة للإنتاج منها، والثاني يتعلق بمصروفات التشغيل في عصر انتهى به الإنتاج السهل.

وأضاف أن تقادم المكامن بسبب عمر الإنتاج وبسبب حرق الآبار من قبل العدوان العراقي أدى إلى صعوبة الإنتاج، حيث يتطلب استخدام أساليب مثل ضخ المياه أو الغاز، مما ترتب عليه تكاليف إضافية انعكست على تكلفة إنتاج البرميل، وكذلك استنزاف الإنتاج من الحقول السهلة، فضلا عن الإنتاج الجائر الذي أدى إلى صعوبة الإنتاج منها، وتزايد الإنتاج الرطب، مما يتطلب منشآت لمعالجة ذلك، إضافة إلى إنتاج النفط الخام الثقيل ذي الكلفة العالية والإنتاج من الآبار الجوراسية العميقة وإنتاج الغاز الحمضي الذي يحتاج إلى معالجات خاصة.

وأشار الهاجري إلى أن من بين العناصر المؤثرة في زيادة تكاليف إنتاج البرميل، الاستعانة بالشركات العالمية المتخصصة في الإنتاج من المكامن النفطية الصعبة والمعقّدة، وهذه الشركات أتعابها مرتفعة، وهو ما ينعكس على تكلفة إنتاج البرميل.

رواتب وأجور

ولفت إلى أن الجزء الآخر من زيادة التكاليف يتعلق بمصروفات التشغيل التي طرأت عليها زيادات كبيرة، نظرا لتقادم المنشآت، مما يتطلب زيادة عقود الصيانة للمحافظة على سلامتها، وكذلك زيادة الرواتب والأجور والاستهلاكات والمواد الأخرى؛ مثل الكهرباء والماء.

وأوضح الهاجري أن من الأسباب المهمة أيضا لزيادة تكاليف إنتاج البرميل، انخفاض حجم الإنتاج لعدة أسباب؛ منها أسباب فنية وأخرى نتيجة للخفض الطوعي استجابة لمتطلبات «أوبك» للمحافظة على مستوى مرغوب لأسعار بيع النفط.

Ad

وقال إنه على الرغم من ذلك، فإن متوسط تكلفة إنتاج البرميل المكافئ (Boe) في الكويت لا تزال أقل من متوسط تكلفة الإنتاج في الصناعة النفطية، حيث بلغت حدود 6.7 دولارات للبرميل المكافئ، بينما في الصناعة النفطية بلغت نحو 9.3 دولارات للبرميل المكافئ، معربا عن اعتقاده بأنه لكي يتم تخفيض التكلفة أو المحافظة عليها، لا بُد من اتباع أساليب وتقنيات حديثة مختلفة عن المتبع حالياً، ومن أهمها إدخال الذكاء الصناعي في عمليات الإنتاج والتكنولوجيا المتطورة وتدريب الكوادر الوطنية على هذه الأساليب، وبالتالى الاستغناء التدريجي عن الشركات العالمية المتخصصة ذات الكلفة العالية.

تحدّ اقتصادي

من جهته، قال الاستشاري النفطي، د. عبدالسميع بهبهاني: تعتبر الزيادة المستمرة في تكلفة استخراج النفط بالكويت تحدياً مهماً للاقتصاد الوطني الذي يعتمد بشكل كبير على هذه الإيرادات، وذلك في ظل تراجع الإنتاج وارتفاع التكاليف التشغيلية، لافتا الى أنه يجب على الحكومة وشركة نفط الكويت اتخاذ إجراءات فعالة للتعامل مع هذه التحديات، سواء عبر تحسين الكفاءة التقنية أو عبر تخفيض التكاليف التشغيلية، لضمان استدامة الإنتاج النفطي ومواكبة التحديات المستقبلية.

وأضاف أنه بمراجعة للعلاقة بين معدل الإنتاج وكلفته، نراها غير متجانسة، فمعدلات زيادة المخزون والإنتاج لا تتناسب ومعدلات زيادات الكلف التشغيلية، والرأسمالية، بمعنى أن الكلف الرأسمالية التي تشمل البنى التحتية وشبكات النقل يفترض بتطورها أن تقلل الكلفة التشغيلية، فهذا ما نلحظ من خلال التطور التكنولوجي والإداري العالمي المتطور.

وأوضح أننا لا نستطيع أن ننكر أن كثيرا من عدم التجانس هي نتاج لتراكمات الإدارات السابقة، وهذا يضغط على الإدارة الحالية للشركات الاستكشافية في المؤسسة، ومن خلال تقارير ديوان المحاسبة والرصد الميداني، أرى أن أسباب زيادة الكلف التشغيلية، وتفوقها على الرأسمالية، لم تتغير منذ 24 عاما، والتي تنفرد بها شركات الكويت عن نظرائها من الشركات العالمية، وإخفاء المعلومات بصورة شبه رسمية لا يساعد على تحدي الأداء غير المواكب للتطور.

تدهور الحقول

وقال: شهدت تكلفة إنتاج النفط في الكويت ارتفاعاً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، حيث ارتفعت تكلفة استخراج برميل النفط من 1.5 دولار عام 2000 إلى 15 دولارا في 2024، ويتوقع أن يستمر هذا الارتفاع في ظل التحديات التي تواجهها الصناعة النفطية في الكويت، مما يعكس تطوراً غير مريح للاقتصاد المحلي الذي يعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط، مع اعتبار معدلات التضخم، لافتا الى أن هذه الزيادة في التكلفة ترجع إلى عدة عوامل؛ أبرزها تزايد التكاليف التشغيلية، وتدهور بعض حقول النفط القديمة، إضافة إلى استخدام تقنيات استخراج معقّدة، كما ادعت الشركات الاستكشافية الكويتية.

وأضاف بهبهاني: نلحظ أن منحنى الإنتاج يتصاعد من 2.7 مليون برميل يوميا عام 2000 ليصل الى أقصاه 3.1 ملايين يوميا عام 2018، ثم يبدأ في الانخفاض الى 2.46 مليون حاليا، وهذا يشمل حصة الكويت في التزام تحالف «أوبك» للتخفيض الطوعي، أما المنحنى الوظيفي فيتصاعد من دون انخفاض من 7 آلاف موظف من ذلك العام، الى العام الحالي، حيث بلغ 15 ألفا، دون حساب موظفي المقاولين! كما استحوذت تكاليف خدمات العقود والرواتب على 90 بالمئة من إجمالي التكاليف التشغيلية.

وذكر أنه في إطار التحسينات على مستوى التوظيف، قامت مؤسسة البترول الكويتية بتوظيف أكثر من 1000 موظف جديد في السنة المالية 2023/ 2024، مما رفع نسبة التكويت إلى 90.8 بالمئة، بعد أن تم توجيه انتقادات للمؤسسة تتعلق بالاختبارات المعقّدة التي يواجهها خريجو الهندسة عند التقديم لوظائف في القطاع النفطي، مما يعوق التوظيف، ويزيد من نسبة البطالة!

وفنّد بهبهاني التزايد المستمر في تكاليف الإنتاج إلى عدة أسباب رئيسية، حسب السجال بين شركات النفط وديوان المحاسبة:

• أولاً: مع تقادم الحقول النفطية، خصوصاً في الشمال والجنوب، فأصبح من الضروري استخدام تقنيات متقدمة لاستخراج النفط مثل المضخات الكهربائية الغاطسة، هذه التقنيات تزيد من التكاليف، نظراً لتطلّبها صيانة وإصلاحات، أو تبديلات متكررة، كما أن تكاليف حفر الآبار الجديدة (التي تضخمت بصورة مبالغة!) تسهم في زيادة التكلفة الإجمالية.

• ثانياً: أحد العوامل الأساسية التي أدت إلى هذه الزيادة هو تراجع كمية الإنتاج، حيث انخفض الإنتاج في بعض المكامن بنسبة تصل إلى 32.88 بالمئة، كما أن تكلفة الحفر والإصلاحات في الحقول النفطية ارتفعت بشكل كبير، بسبب تقادم الآبار وزيادة الحاجة إلى تقنيات معقّدة، ومنها تقادم المنشآت النفطية قبل وصول الإنتاج المخصص لها.

• ثالثا: إضافة إلى التحديات الفنية والتقنية، يلاحظ التأخير المتعمد للمقاولين، وما يصاحب ذلك من أوامر تغييرية ضخمة، فضلا عن الدعاوى القضائية التي يتفوق فيها المقاول عادة، إضافة إلى أن شركة نفط الكويت تواجه تحديات إدارية، مع حدوث تأخير بتنفيذ المشاريع النفطية من قبل المقاولين، وهي تُعدّ تكاليف غير مباشرة، مما يتسبب في زيادتها!

زيادة التكلفة

وأرجع بهبهاني زيادة التكلفة في السنوات الأخيرة إلى ما يلي:

1 - الزيادة السياسية لعدد الموظفين العاملين في القطاع النفطي، وارتفاع رواتبهم يسهمان بشكل كبير في زيادة المصروفات، رغم محاولات تحسين الكفاءة من خلال التقنيات الحديثة، إضافة الى التحديات الجغرافية والتقنية للمكامن النفطية التي تظل عائقاً أمام تقليل التكلفة، ورغم ذلك هناك مطالبات متزايدة من المواطنين بزيادة «تكويت» القطاع النفطي، ولو بتوظيف ثانوي، (ظل)! وذلك عبر تسهيل توظيف الشباب الكويتيين في هذا القطاع الحيوي.

2 - سوء تقدير جدوى مشاريع النفط الثقيل، والغاز الحر، مكامن الجوراسي العميقة، وحتى الاستكشافات البحرية الحديثة، أضف الى ذلك المسوحات الزلزالية المتكررة، والمُبالغ في أسعارها، حيث تفوق في أغلب الأحيان 3 - 5 أضعاف المعدل العام.

3 - منطقة العمليات المشتركة بين الكويت والسعودية في حقل الخفجي والوفرة شهدت زيادة كبيرة في تكلفة استخراج النفط، على الرغم من أن الحقول الكويتية؛ مثل حقل برقان الكبير تتمتع بتكلفة استخراج منخفضة نسبيا، إلا أن الحقول المشتركة في الخفجي والوفرة شهدت قفزات هائلة في التكلفة، بسبب تراجع الإنتاج وزيادة التكاليف التشغيلية.

ففي عام 2020، ارتفعت تكلفة استخراج البرميل في هذه الحقول إلى أكثر من 12 ديناراً للبرميل، مقارنة مع نحو 5.64 دنانير في السنوات السابقة، فضلا عن أن فترة إغلاق المنطقة المقسومة برا وبحرا، سببت خسائر فاقت الـ 27 مليار دولار، إضافة الى الخسائر التشغيلية التي فاقت 6 مليارات.

نقص خبرات

من جانبه، أرجع المحلل النفطي كامل الحرمي أسباب زيادة تكلفة إنتاج برميل النفط الى نقص الخبرات والحاجة الملحة الى دعم فني واستشارات عالمية، لكون شركات النفط العالمية تمتلك خبرات وتجارب متنوعة من شأنها تقليل كلفة الإنتاج، لافتا الى أن من أسباب نقص الخبرات عمليات التقاعد لمن أمضوا 30 عاما في الخدمة، الأمر الذي يسبب خللا مفاجئا في القدرات الفنية والإدارية.

وقال الحرمي إن معدل إنتاج الكويت من النفط حاليا غير مشجع، لكون ميزانيتها تحتاج الى دعم، لافتا الى أن حجم الإنتاج الحالي لا يفي بمتطلبات ميزانية الدولة، لأن الميزانية تحتاج الى سعر يتراوح بين 90 و95 دولارا للبرميل.



وأكد أنه إذا كان هناك عجز في الميزانية والبلاد تحتاج الى إنتاج المزيد من النفط، فلا ينبغي الالتزام بقرارات «أوبك» في تلك الحالة، على الرغم من أن الكويت تُعدّ من مؤسسي المنظمة، لافتا الى أن الظرف الاستثنائي لضبط الميزانية من الممكن أن يعفيها من الالتزام بحصص «أوبك» في التخفيض.

الأقل تكلفة

من ناحيته، قال رئيس قسم البترول في كلية الدراسات التكنولوجية، د. أحمد الكوح، إنه بشكل عام فإن إنتاج النفط في أى حقل تبدأ الزيادة بتكلفة إنتاجه تدريجيا بمرور الوقت، وعموما، فإن الكويت تعد الأقل تكلفة عالميا في استخراج النفط.

وأضاف أن البلاد لم تدخل حتى الآن في مراحل متقدمة من الإنتاج، ونحن نمرّ بمراحل طبيعية، مثل المضخات وأيضا مضخات الرفع الاصطناعي، والمرحلة الثالثة الضخ بالمواد الكيميائية، لافتا الى أن الحقول البرية الحالية تزيد كلفة إنتاجها، نظرا لتقادمها، وهذا يُعد طبيعيا، ومشيرا الى أن الاكتشافات الجديدة تقل فيها التكلفة، لأنها تكون على أعماق قريبة، مضيفا أن عصر الإنتاج التقليدي قد انتهى، والمستقبل حاليا للإنتاج البحري الذي قد يرفع من معدلات كلفة الإنتاج بشكل كبير.



وأشار الكوح الى أن حجم مشاريع النفط في الكويت يُعد طبيعيا، موضحا أن الكويت لا تحتمل شركتين تتنافسان مثلما هو معمول به في السعودية، ولافتا الى أن القطاع النفطي في الكويت يعد قطاعا نزيها لا توجد به أى شبهة فساد مالي، لكونه قطاعا يعمل في غاية الوضوح والشفافية في كل تعاملاته؛ سواء كانت في الأسعار أو المنافسة المفتوحة للجميع من داخل البلاد أو من خارجها، داعيا الحكومة إلى الاستعانة بالكوادر النفطية المتقاعدة للعمل في مؤسسات الدولة المختلفة لضمان الوضوح والشفافية.

نفوط صعبة

بدوره، قال أستاذ الاقتصاد، أمين سر الجمعية الاقتصادية الخليجية، عبدالمحسن المطيري، إنه على الرغم من انخفاض حجم الإنتاج المدرج في الحسابات الختامية من 2.693 مليون برميل يومياً في العام المالي 2022/ 2023 الى 2.650 مليون في العام المالي 2023/ 2024، بسب الالتزام بالخفض المقرر من «أوبك بلس»، إلا أن تكلفة إنتاج برميل النفط الكويتي لا تزال في ازدياد، وهذا الأمر مستغرب، وإذا تمت المقارنة مع تكلفة إنتاج برميل النفط الصخري (على الرغم من أن النفط الصخري يُعد من النفوط الصعبة) نجد تكلفة إنتاج «الصخري» انخفضت عام 2023.

وأضاف: إذا نظرنا الى ميزانية السنة المالية الجديدة 2024/ 2025، نجد ارتفاع تقديرات كلفة الإنتاج النفطي 4 مليارات دينار تقريبًا من 2.69 مليار عام 2023/2022، وفق بيانات وزارة المالية، لافتا الى أن هذا يعني توقّع استمرار زيادة التكلفة بصورة كبيرة، مما يدعو الى النظر الى هذا الملف.

وأشار المطيري الى أنه من المهم بحث الأسباب، ومن ثم وضع الحلول المناسبة لرفع الكفاءة الإنتاجية في القطاع النفطي، وربط المكافآت به مع زيادة الكفاءة الإنتاجية وتخفيض التكاليف، وليس مع زيادة الإيرادات والأرباح، لأن أحد أسباب زيادة الأرباح يكون زيادة الأسعار، وهو مرتبط بعوامل خارجية.