لا شك في أن الحكم المستحق الذي صدر عن المحكمة الجنائية الدولية ضد مجرمَي الحرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، كان تاريخياً واستثنائياً وشجاعاً، وهو قرار يفترض أن يُلزم كل الدول التي وافقت ووقعت عليه.
فالالتزام الدولي بحكم المحكمة الجنائية الدولية أتى بموجب «ميثاق روما» الذي دخل حيز التنفيذ في سنة 2002، بعد أن وافقت عليه الأغلبية الساحقة من دول العالم وعددها 124، رغم اعتراض 7 دول، هي: أميركا وإسرائيل والصين والعراق وقطر وليبيا واليمن، ورغم امتناع عدة دول عن التصويت عليه، فمن واجبات تلك المحكمة، العمل على وقف انتهاكات حقوق الإنسان عبر التحقيق في جرائم الإبادة وجرائم الحرب، فمجرد أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف فإن قراراتها تعتبر ملزمة رسمياً.
ولكن، لابد من الاعتراف بأن قرار المحكمة باعتقال مجرمَي الحرب الإسرائيليَّين لن يتم الالتزام به حرفياً، خصوصاً من جانب الدول المعترضة عليه، أو الممتنعة عن التصويت عليه، ولا حتى من دول تدور في الفلك الأميركي، إلا أنه بلا شك يبقى قراراً أخلاقياً دولياً انتصر لفلسطين.
ويبقى هنا موقف أميركا الغريب من قرار المحكمة الأممية باعتقال نتنياهو! فهي رسمياً تنتقد أفعال إسرائيل الإجرامية ضد المدنيين العزّل باستخدامها القوة المفرطة ضدهم، وتتباكى على أطفال غزة، وفي الوقت نفسه ترفض إدانة إسرائيل، وتواصل تزويدها بالأسلحة الفتاكة، وترفض بـ «الفيتو» قرار وقف إطلاق النار في غزة، وهي الآن تريد أن تصدر قانوناً يعاقب قضاة المحكمة الجنائية الدولية لأخذهم هذا القرار الشجاع والنادر ضد نتنياهو ووزير دفاعه السابق غالانت، لارتكابهما جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.
أما الأغرب فهو الموقف الأميركي المتناقض والمزاجي من مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية باختلاف المطلوب اعتقالهم، فقد اعتبرت أن مذكرة اعتقال عمر البشير يجب احترامها وتنفيذها، ووصفت مذكرة اعتقال الرئيس الروسي بوتين بالنقطة القوية، ورحبت بقرار المحكمة وأعلنت دعمه، أما موقفها من مذكرة اعتقال نتنياهو ووزيره فقد رفضتها رفضاً قاطعاً، واصفة المحكمة بأنها لا تتمتع بولاية قضائية، وأن تحقيقها شابته أخطاء مقلقة.
ما يتوجب الآن على المحكمة الجنائية الدولية هو عدم الاكتفاء بمذكرات الاعتقال التي أصدرتها، فحتى تستكمل العدالة الدولية مجراها، هناك جرائم أكثر وحشية ارتكبها مجرمون ضد شعوبهم وضد شعوب المنطقة لا يزال من ارتكبها، أو من أمر بارتكابها، أو من سلّح ودرب مرتكبيها، يجولون في دول العالم، يفاوضون ويعقدون الصفقات والاتفاقات على حساب شعوب المنطقة، فالشعب الفلسطيني والعراقي والسوري واليمني واللبناني والإيراني يستصرخون ويطالبون بمعاقبة كل من ارتكب المجازر والتعذيب والتهجير ضدهم، ومن الواجب المستحق على المحكمة ألا تكيل بمكاييل متعددة.