اختتم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب تعييناته بجولة من القرارات التي وصفها مساعدوه بأنها تضمن إدارة موحدة و«وفية»، موجهة بروح «جعل أميركا عظيمة مجددا» (MAGA)، لكن تحت السطح توجد 3 فرق مميزة على الأقل، ومجموعة من الأيديولوجيات المختلفة التي بالكاد تم كبحها للتعامل مع الصعوبات العملية للحصول على تأييد الكونغرس، حسبما تقول «نيويورك تايمز».
وبحسب الصحيفة الأميركية، المحسوبة على يسار الوسط، هناك فريق «الانتقام»، بقيادة مرشحين محتملين تم تكليفهم بتفكيك وزارة العدل ووكالات الاستخبارات ووزارة الدفاع، وملاحقة ما يعرف بـ «الدولة العميقة» وأي شخص شارك في ملاحقة ترامب قضائيا.
وهناك فريق «تهدئة الأسواق»، الذي يأمل ترامب أن يقوده سكوت بيسنت، الملياردير من وول ستريت الذي اختاره وزيرا للخزانة. يستطيع بيسنت أن يردد شعارات MAGA المتعلقة بإلغاء التنظيمات وخفض الضرائب، لكنه سيحاول على الأرجح ضمان أن الحلول الأكثر تطرفا لترامب، مثل فرض تعريفات جمركية تحفز التضخم على السلع الأجنبية، لن تقضي على الطفرة التي شهدتها أسواق الأسهم بعد الانتخابات.
أما الفريق الثالث فهو فريق «تقليص الحكومة»، بقيادة إيلون ماسك وفيفيك راماسوامي، بأهداف يمكن وصفها بأنها طموحة جدا، إذ يسعى رجلا الأعمال إلى خفض ما يسميه ماسك بـ «ما لا يقل عن تريليوني دولار» من الميزانية الفدرالية السنوية، وهو رقم يتجاوز التكلفة السنوية لرواتب جميع الموظفين الفدراليين. (يذكر أن إجمالي الميزانية الفدرالية في السنة المالية 2024 بلغ 6.75 تريليونات دولار).
أميركا أولاً أم ترامب أولاً؟
كيفية تنسيق هذه المهام والتقاطعات التي قد تحدث بينها هي واحدة من أكبر التساؤلات المحيطة بالإدارة القادمة.
وتشير «نيويورك تايمز» إلى أن التنوع في الأيديولوجيات والآراء يعتبر عادة نقطة قوة وليس ضعفا في الإدارات، لكنها تضيف أنه إذا كانت هناك مفاجأة في اختيارات ترامب الأخيرة، فهي في نطاق التجارب ووجهات النظر التي تكمن أحيانا تحت سطح الولاء المعلن حديثا لفكرة «جعل أميركا عظيمة مجددا»، والولاء لترامب نفسه. من الصعب تخيل بعض هؤلاء المعينين يشعرون بالراحة في تجمّع انتخابي لترامب.
وقال المؤرخ الرئاسي مايكل بيسكلوس: «هناك تنوّع أيديولوجي أكثر مما توقعت»، مضيفا أنه «إذا نظرت إلى هذه المجموعة في سياق تاريخي، فإن هناك احتمالاً لظهور جدالات ونقاشات. وإذا سُمح لهذه النقاشات بالتطور بطريقة متحضرة ومنفتحة، فإن التاريخ يُظهر أن مثل هذه الخلافات قد تقود أحيانًا إلى سياسات ناجحة».
حتى مع تبنّي الحزب الجمهوري فلسفة MAGA، قد يكون من غير الواقعي توقع أن يكون جميع أعضاء إدارة ترامب من نفس القالب. يقول كريس ويبل، مؤلف كتابThe Gatekeepers، الذي يتناول رؤساء موظفي البيت الأبيض: «الثبات في الأيديولوجيا أو في أي شيء آخر، هو آخر ما يجب أن نتوقعه من مرشحي ترامب»، متابعا: «ذلك لأن عملية اختيارهم غير موجودة في الأساس، وكل شيء يتم وفقا لأهواء الرئيس».
مثلي متدرب لدى سوروس
انضم بيسنت إلى أيديولوجية «جعل أميركا عظيمة مجددا» في وقت متأخر، ويبدو أنه يشارك ترامب حماسه لفرض التعريفات الجمركية، على الرغم من أنه أشار في الأسابيع الأخيرة إلى أن فرضها بشكل تدريجي أمر بالغ الأهمية لتجنّب الصدمات الاقتصادية.
وتتعارض هويته كأب مثلي متزوج مع معتقدات بعض مؤيدي ترامب الإنجيليين واليمينيين المتطرفين. لكن ما قد يثير استغراب بعض أتباع ترامب أكثر هو حقيقة أن بيسنت جمع أموالًا لحملة الديموقراطي آل غور الرئاسية عام 2000، أو أنه قبل 12 عامًا كان مدير الاستثمارات في «سوروس فند مانجمنت»، الأداة الاستثمارية التي تبلغ قيمتها 30 مليار دولار والمملوكة لجورج سوروس، الذي كان موضوعًا للعديد من نظريات المؤامرة اليمينية. وعندما استعرض ترامب مؤهلات بيسنت العديدة لشغل المنصب، لم يذكر أنه يُعتبر من أكثر المتدربين نجاحا لدى سوروس.
عُمالية تسير على حبلين
أما المرشحة الجديدة لمنصب وزيرة العمل، النائبة لوري تشافيز-دي ريمر، فتبدو أيضا وكأنها تسير بين معسكرين. تشافيز-دي ريمر، النائبة الجمهورية من ولاية أوريغون، التي خسرت مقعدها في مجلس النواب هذا الشهر، تحدثت كثيرا عن عضوية والدها في نقابة «تيمسترز»، وحصلت على دعم حوالي 20 نقابة عمالية خلال حملتها غير الناجحة لإعادة انتخابها.
وكانت تشافيز- دي ريمر واحدة من 3 جمهوريين قدموا مشروع قانون عام 2023 يهدف إلى حماية العمال الساعين لتشكيل نقابات من الانتقام أو الفصل، مع منح الحكومة الفدرالية سلطات جديدة لمعاقبة أصحاب العمل الذين ينتهكون حقوق العمال.
في المقابل، من بين من ينسجمون تمامًا مع قالب مساعدي ترامب، بروك رولينز، التي سماها ترامب يوم السبت لتكون وزيرة الزراعة. شغلت رولينز منصب مستشارة السياسة الداخلية في الإدارة الأولى لترامب، ثم أصبحت رئيسة معهد «أميركا أولاً» للسياسات، وهو بمنزلة حكومة ترامب الاحتياطية التي تضم أعضاء سابقين من إدارته.
أكثر تعقيداً
ثم هناك فريق الأمن القومي. مايكل والتز، المرشح لمنصب مستشار الأمن القومي، كان مدافعًا قويًا عن إرسال مزيد من المساعدات لأوكرانيا، إلى أن صوّت ضد تقديم 95 مليار دولار إضافية كمساعدات لأوكرانيا في الربيع. نائبه الجديد، أليكس وونغ، عمل مع ميت رومني عام 2012، ضمن جناح الحزب الجمهوري الذي لم يتصالح أبدًا مع ترامب. لكن وونغ شغل مناصب عليا في وزارة الخارجية فيما يتعلق بكوريا الشمالية، وساعد في ترتيب اجتماع ترامب مع كيم جونغ أون، زعيم كوريا الشمالية الذي انتهى بالفشل.
وخلال السنوات التالية، شغل وونغ منصب رئيس لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية الأميركية- الصينية، وهي مجموعة للحزبين يعيّنها «الكونغرس» لدراسة الآثار الأمنية الوطنية للانخراط الاقتصادي الأميركي مع بكين.
لم تُناقش هذه الموضوعات خلال الحملة الانتخابية. فقد اختزل ترامب المناقشات حول العلاقات الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية المعقدة مع الصين إلى إعلان بأن التعريفات الجمركية ستحل جميع المشكلات. لكن مستشاريه للأمن القومي لديهم رؤية أكثر تعقيدًا بكثير.
أعداء البيروقراطية
هذا يترك إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم وأحدث سكان مارالاغو، وفيفيك راماسوامي، اللذين من المفترض أن يقودا «وزارة كفاءة الحكومة»، وكتبا في صحيفة وول ستريت جورنال، الخميس، أن «البيروقراطية الراسخة والمتنامية باستمرار تمثل تهديدًا وجوديًا لجمهوريتنا».
ووعد الرجلان بالتركيز أولاً على تقليص أكثر من 500 مليار دولار من النفقات الفدرالية السنوية، بما في ذلك المنح للمنظمات الدولية أو مؤسسة البث العامة.
وللمقارنة، فإن الـ 535 مليون دولار من الأموال الفدرالية لمجموعة البث العامة، التي يعتقد أنصار ترامب أنها تدفع مقابل برامج ذات ميول ليبرالية، تمثل 0.026 بالمئة فقط من المبلغ المستهدف. وحتى إلغاء ميزانية الدفاع الأميركية بالكامل لن يصل إلى نصف الهدف.