مع دخول الحرب المرحلة الأكثر خطورة بعد أن سمحت الولايات المتحدة باستخدام صواريخها الاستراتيجية وتغيير الكرملين لعقيدته النووية، كشف مدير جهاز المخابرات الخارجية الروسية، سيرغي ناريشكين، أمس، في تصريح نادر، أن موسكو تعارض بشكل قاطع تجميد الصراع في أوكرانيا لأنها بحاجة إلى «سلام راسخ وطويل الأمد» يعالج الأسباب الجذرية للأزمة.

وشدد ناريشكين، خلال اجتماع رؤساء وكالات الأمن والاستخبارات لرابطة الدول المستقلة، على أن «روسيا في موقع قوة» في ميدان المعركة، ومنفتحة على إجراء محادثات، متهماً الغرب بأنه لا يريد قبول خسارة هيمنته السابقة، ويعمد إلى زعزعة الاستقرار في مناطق رئيسية من العالم.

Ad

وتلقي هذه التصريحات الضوء على الخطة التي يعدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب الأوكرانية بسرعة عبر عنوان «الأرض مقابل السلام». وكان ترامب فشل في ولايته الأولى من تحقيق إنجازات خارجية كبيرة عبر خطط جرى انتقادها كونها تفتقر إلى الرؤية الاستراتيجية البعيدة. وظهر ذلك في حالتي كوريا الشمالية وصفقة القرن التي عرضها ترامب لحل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.

وحديث نارشكين عن حلول جذرية يعني أن ترامب سيكون مضطراً للتخلي عن أوكرانيا في «لعبة القوى الكبرى» وجعلها أرضاً محايدة بين معسكر الغرب وروسيا، وهذه ستكون خسارة استراتيجية صافية لواشنطن.

وتزامنت تصريحات ناريشكين مع إحراز الجيش الروسي تقدماً كبيراً على طول الخطوط الأمامية في شرق أوكرانيا وتحقيقها بعضاً من أكبر المكاسب الإقليمية الشهرية منذ عام 2022.

وفي إطار مكاسبه السريعة منذ بداية الحرب، أعلن الجيش الروسي أمس سيطرته على بلدة في منطقة خاركيف بشمال شرقي أوكرانيا، موضحاً أنه «بفضل تحركات حاسمة، حرّرت وحدات من التجمع العسكري (غرب) بلدة كوبانكي» الواقعة في منطقة احتلها في بداية الحرب لكن كييف استعادتها في خريف 2022.

وذكرت مجموعة (أغنتستفو) أن «القوات الروسية سجلت أرقاماً قياسية أسبوعية وشهرية جديدة من حيث مساحة الأراضي التي احتلتها في أوكرانيا»، وأوضحت أنها سيطرت على نحو 235 كلم الأسبوع المنصرم، وهي مساحة قياسية أسبوعية لعام 2024.

وأضافت «أغنتستفو» أن القوات الروسية سيطرت على 600 كلم في نوفمبر نقلاً عن بيانات من مجموعة «ديب ستيت» التي تربطها صلات وثيقة بالجيش الأوكراني وتدرس صوراً ملتقطة للقتال وتوفر خرائط للخطوط الأمامية.

ونقلت شبكة «آر.بي.سي» عن مصادر أن اللفتنانت جنرال ألكسندر سانشيك تم تعيينه قائداً مؤقتاً لوحدة الجنوب وذلك بعد إقالة القائد السابق للوحدة، الكبيرة المشاركة في الحرب.

أكبر هجوم

إلى ذلك، شنت القوات الروسية أكبر هجوم لها على الإطلاق بطائرات مسيرة على أوكرانيا ليل الاثنين - الثلاثاء، مما تسبب بتضرر مبانٍ سكنية والبنية التحتية الحيوية مثل شبكة الكهرباء الوطنية في كييف ومدينة تيرنوبيل الكبيرة الواقعة على بعد نحو 220 كلم شرقي بولندا العضو في حلف الناتو.

وقال سلاح الجو الأوكراني: «أطلق العدو عدداً غير مسبوق من الطائرات المسيرة «شاهد» وأخرى مجهولة الهوية، وتم إسقاط 76 من إجمالي 188 وفُقد أثر 96، بسبب التشويش الإلكتروني على الأرجح و5 توجهت نحو بيلاروس، وكذلك، أطلق أربعة صواريخ بالستية من طراز إسكندر-إم».

وأضاف: «للأسف، أصابت الهجمات منشآت بنية تحتية حيوية، وتضررت بنايات وشقق في عدة مناطق بسبب الهجوم الضخم بالطائرات المسيرة».

وعلى هامش القمة العالمية، التي تستضيفها كمبوديا من أجل عالم خالٍ من الألغام، اتهم ممثل وزارة الدفاع الأوكرانية أولكسندر ريابتسيف روسيا بالقيام بـ«ممارسات تنم عن إبادة».

وقال ريابتسيف إن موسكو نشرت «هذه العبوات الناسفة «في مدن ومزارع ومحطات نقل عام» مؤكداً أنها تهدد مناطق يقيم فيها نحو ستة ملايين أوكراني.

من جانبها، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها دمرت 39 طائرة مسيرة أوكرانية، منها 24 طائرة مسيرة فوق أراضي مقاطعة روستوف، و5 طائرات مسيرة فوق أراضي مقاطعة بريانسك، و3 طائرات مسيرة فوق أراضي مقاطعة بيلغورود، و3 طائرات مسيرة فوق أراضي مقاطعة كورسك، وواحدة فوق أراضي مقاطعة أوريول، وواحدة فوق أراضي مقاطعة فورونيج واثنتين فوق أراضي جمهورية القرم».

وقبل ساعات، أفادت وزارة الدفاع الروسية بأن «الدفاعات الجوية أسقطت ثمانية صواريخ بالستية وستة قنابل جوية موجهة من طراز JDAM أميركية الصنع بالإضافة إلى 45 مسيّرة».

وبعد يوم من تأكيد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي السماح باستخدام صواريخ «أتاكمز» الأميركية لضرب أهداف في مقاطعة كورسك، حذر نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف من أنه إذا زود الغرب أوكرانيا بأسلحة نووية فإن الكرملين سيرى في هذا ما يمكن أن يمثل هجوماً على روسيا ويوفر الأساس لرد نووي.

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأسبوع الماضي أن مسؤولين غربيين أشاروا إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن قد يمد أوكرانيا بأسلحة نووية على الرغم من الخوف من أن يكون لمثل هذه الخطوة عواقب وخيمة.

وقال ميدفيديف، الذي شغل منصب رئيس روسيا بين عامي 2008 و2012، «يعكف سياسيون وصحافيون أميركيون على مناقشة عواقب نقل أسلحة نووية إلى كييف». وأضاف أن مجرد التهديد بنقل مثل هذه الأسلحة النووية قد يعتبر استعداداً لحرب نووية ضد روسيا.

ومضى يقول «النقل الفعلي لمثل هذه الأسلحة يعادل في الأمر الواقع شن هجوم على بلادنا» بموجب العقيدة النووية الروسية المعدلة حديثاً.

وغداة إعلان نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف استعداد بلاده لنشر صواريخ متوسطة وقصيرة المدى في آسيا إذا ظهرت صواريخ أميركية في المنطقة نفسها، عقد حلف الناتو وأوكرانيا أمس اجتماعا في بروكسل على مستوى السفراء، لبحث إقدام روسيا على صاروخ «أوريشنيك» (شجرة البندق) الذي لأول مرة في أوكرانيا.

وفي مؤتمر ببروكسل، كشف رئيس اللجنة العسكرية لحلف الناتو الأدميرال روب باور عن مباحثات لإمكانية توجيه ضربات استباقية دقيقة على أراضي روسيا في حالة نشوب صراع مسلح مع الدول الأعضاء.

وأكد باور على ضرورة تحرك الحلف بشكل استباقي من خلال استهداف منصات الإطلاق الروسية وزيادة الاستثمارات في الدفاع الجوي وقدرات الضربات الدقيقة. كما حث الشركات الغربية على تعديل سلاسل الإنتاج لحماية الإمدادات الحيوية وتعزيز الردع ضد النفوذ الروسي والصيني.

واجتمع مسؤولو الدفاع من ألمانيا وفرنسا وبولندا وإيطاليا والمملكة المتحدة في برلين أمس لمناقشة التدابير اللازمة لتعزيز الأمن والدفاع في أوروبا.