أفراح الصباح: أشبه الطائر الحر وأكتب الشعر لنفسي

خلال أمسية حوارية أدارتها الشاعرة عائشة العبدالله في معرض الكتاب الـ 47

نشر في 28-11-2024
آخر تحديث 27-11-2024 | 17:59
استضاف معرض الكويت للكتاب الدولي الـ47 الشيخة أفراح المبارك الصباح، ضمن الجلسة الحوارية التي أقيمت في قاعة «VIP»، ضمن الأنشطة الثقافية المصاحبة للمعرض، وأدارتها الشاعرة عائشة العبدالله، وسط حضور كثيف.

باحت الشاعرة الشيخة أفراح المبارك الصباح، بمكنون مشاعرها، بصدق وأمانة، وكشفت عشقها للكلمة، وما تحتويه من معانٍ وعمق شديدين، خلال الجلسة الحوارية التي أقيمت في قاعة «VIP»، ضمن الأنشطة الثقافية المصاحبة لمعرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، وأدارتها الشاعرة عائشة العبدالله، في حضور نخبة من المثقفين والأدباء والجمهور.

في بداية الجلسة، صرحت الشاعرة الشيخة أفراح بقولها: يسعدني أن أكون في معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، وهذه دعوة كريمة من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، في هذه الأمسية الحوارية التفاعلية بيني وبين الجمهور، حيث إنني أميل دائماً إلى التفاعل مع الجمهور، وهذا الأمر مختلف عن الأمسيات التقليدية التي تدعو إلى الرتابة والملل. وأضافت: معرض الكويت الدولي منارة للثقافة، كما أن الكويت ستحل العام القادم عاصمة للثقافة العربية للعام 2025.

في الصغر كنت أكتب مذكراتي بشكل يومي ومازلت محتفظة بها إلى اليوم

صدق وشفافية

وطرحت الشاعرة عائشة العبدالله أسئلتها لتجيب عنها الشاعرة الشيخة أفراح، بصدق وشفافية، وكان أولها ذلك السؤال الذي مفاده: ما أسباب اختيارك لكتابة الشعر خصوصاً قصيدة النثر من بين الأصناف الأدبية الأخرى، رغم حبك للرواية وقراءتها؟ لتجيب الشاعرة الشيخة أفراح: وأنا صغيرة كنت أكتب مذكراتي بشكل يومي، ومازلت محتفظة بها إلى اليوم، وهي أشبه ما تكون بمرجع لي أحس فيه بنوع ما بحزن، حيث امتدت هذه المذكرات إلى أن أصبحت توثيقاً للمشاعر، كما كنت أحب القراءة خصوصاً الروايات وقراءة الشعر والأدب بصفة عامة، ومكتبة الوالد، رحمة الله عليه، زاخرة بكل أنواع الدوريات العربية وكذلك كل أعداد مجلة العربي منذ بداية نشأتها، وحينما التحقت بالجامعة، درست مواد مساندة مثل اللغة العربية غير الرياضيات التي تخصصت بها، وكان الأساتذة يمتدحون أسلوبي اللغوي في الكتابة والتعبير، ومن ثم فقد أحببت الشعر وكنت إلى جانب قراءتي للشعر أقرأ الروايات.


فاطمة البودي فاطمة البودي

طائر حر

وأضافت: قصيدة النثر قصيدة حرة، فبطبعي لا أحب الالتزام بالأوزان الشعرية، مع تأكيدي أن المرجع الأساسي هو الشعر الكلاسيكي، لكن بطبيعة الحال لا أحب التقيد بأي شيء، فأنا أشبه طائراً حراً، أكتب ما أريد وما أحب. إنني أكتب من نفسي إلى نفسي، ما أحسه من مشاعر وأحاسيس، أيضاً من رؤية الآخر، من الإنسان الذي أحياناً يشبهني ولا يشبهني، الكتابة عندي أشبه ما يكون في حوار بيني وبين نفسي، حوار بين نفسي والآخر، بين المجموعة وبيني، إنني أعطي الكتابة أقصى ما لدي من إحساس... ولكن أقول إن الشاعر ساحر في الكلمات والمعطيات وعنده الكثير من مخزون الكلمات فيلعب بها ويسحر الناس بالكلمات، وفي نهاية الأمر يظل الصدق في المشاعر الإنسانية المداد لأفكاره، وأيضاً الطبيعة لها تأثيرها وأثرها على الشاعر.

بطبعي لا أحب الالتزام بالأوزان الشعرية مع تأكيدي أن المرجع الأساسي هو الشعر الكلاسيكي

ومن ثم ألقت قصيدة «في حضرة المتاهة العمياء»، والتي تقول فيها:

في حضرة المتاهة...

رؤيا عمياء

توهج نصلاً أصيلاً

على الرقاب مصيراً

وعلى جثث الحيارى...

لحناً عتيقاً!

انتصب الليل...

بزرقة داكنة كالموت...

بكف شاهق كالموج

ظل يسكن الشواطئ

والعذارى سامراتٌ على اليال...

يغنين العويل والنسيج...

كفوفهن مخضبة بالحنة اليمانية...

وهي تلفح بشعرها الثائر...

تحلق بعينين ساهمتين/ غير واعيتين

بين يديها عصاة السلام...

تتمرجح بخفة النسيم...

شغف أزرق

وفيما يخص سؤال: في ديوان «شغف أزرق» وأيضاً في دواوينك الأخرى، يتجلى كثيراً البحر، بكل تناقضاته ومده وجزره... ما الذي يعنيه لك البحر؟ أجابت الشاعرة الشيخة أفراح بقولها: البحر... يعني لي العمق، بألوانه التي تختلف من مكان إلى آخر، هناك الزرقة الداكنة والدرجات المختلفة كل هذه الأشياء تضفي عليّ نوعاً من البهجة وفي الوقت نفسه الحزن، فحينما نرى البحر نحكي له الأسرار والأشياء وهو لا يجيب، ولكنه يجيب... بماذا؟ بالموج بالصوت برائحة الهواء بالمد والجزر، بالقواقع بالطين، كل هذه الأشياء يمثلها عندي البحر، ومعظم القصائد كتبتها وأنا أمامه، وهذه الأمور تمثل عندي نوعاً من الراحة والشقاء أحياناً.

لا بد أن يكون هناك شعر الموقف والمكان والناس والأزقة والحواري القديمة

فضاءات الشعر

ثم طرحت العبدالله سؤالها: يقولون في لحظة كتابة القصيدة لا ندين للواقع بشيء، بل ندين لحقيقة شعرية... هل تؤمنين أن هذا الإخلاص والصدق في الكتابة ناتج عن مشاعرنا؟ لتجيب بقولها: المشاعر حينما تتدفق تأخذنا على الخيال والحلم والتحليق في فضاءات الشعر، فنكتب ما يخرج من الفكر والعقل والمشاعر الصادقة، فحينما يكون هناك موقف فيه خذلان، فمعظم قصائدي التي كتبتها سواء في دواويني، هي حالة من الخذلان والفقد... فقدنا الكثير، الأحبة، الأم، الأب، كل هذا، ونحن عائلة ممتدة وكل ما يخرج من حزن فهو حزن أصيل، قديم معتق، لذلك دائم الصدق واجب في القصائد.

حنين إلى الماضي

وطرحت العبدالله سؤال: لاحظت أن في قصائدك الحنين إلى الماضي، والأمكنة، بمعنى أنك تذكرين المناطق حتى المدن التي سافرتي إليها، والوصف للمكان... هل هذا الحنين هو الملهم والدافع لك للكتابة، أم ان لحظة الكتابة هي أصلاً انفتاح الذاكرة على الماضي؟ كي تجيب الشاعرة الشيخة أفراح بقولها: أكتب في أي مكان أذهب إليه، فلابد أن يكون هناك شعر الموقف والمكان، شعر الرائحة والناس والأزقة والحواري القديمة، فأنا أعيش فيها والمتاحف أيضاً، وحينما أكون في القاهرة أعيش فيها طولاً بعرضاً. بعماراتها القديمة والمساجد العتيقة، إنني أذوب في هذه الأماكن، وأخلق خيالاً معيناً، أو عندما أكون في مقهى قديم وأشاهد اثنين جالسين يتحدثان أنسج نوعاً من الحكايات، فهناك مشاعر صادقة، والضحكة والبسمة، ولكن الخيال هو سيد الموقف في الشعر. أيضاً هناك نقطة ضعف هي لبنان، فأنا عاشقة للبنان وتضاريسها وجبالها ووديانها وضيعاتها وكتبت الكثير عن مرابعها مثل ضيعة «كسروان» التي كتبت فيها قصيدة باسم «خريف كسروان»، ثم أنشدتها، وجاءت كالتالي:

في مُحاذاة لون حائر

ولعبة طفل مشطور الرّأس

طيفك الذي يحبو

غيمةٌ من تجل ونقاء أو

شرفةٌ تلعب لعبة الإغواء

هطل المطر

رويداً رويداً

وتبعه الدّم

حتى تناثرت زنابقُ الشرفة

حل الخريف

بعري مشهود

تتحل الأشجار من أثقالها

كم نتخفف من آثامنا

ريحانة الدّار

أسكرت صدور المغرمين

الصوت الداخلي يتعين أن يكون موجوداً فهو صوت متفرد لا يشبه أحداً

جلسة تفاعلية

ومما مميز الجلسة الحوارية طبيعتها التفاعلية، فلم تكتفِ الشيخة أفراح بقراءة قصائدها وإجابة أسئلة الشاعرة العبدالله، بل شجعت الحضور على المشاركة، مما أضاف بعداً إنسانياً، وتلك اللحظات من التفاعل جعلت الجمهور يشعر أنه جزء من التجربة، لأنها لامست إحساسهم، فكانوا ليس مجرد متلقين.

ومن الأسئلة والمشاركات، حيث علقت الناشرة، د. فاطمة البودي، بأنها سعيدة، أنه أتيحت لها الفرصة لحضور اللقاء مع الشيخة أفراح حيث لمست فيه أمراً وهو حبها لعائلتها، لافتة إلى أنه تميز حديثها بالبساطة، ورؤيتها الشعرية، أما الشاعر دخيل الخليفة فسألها سؤالين عن كتابة النص الشعري أولهما «كم مرة ممكن أن تعاد كتابة النص؟»، أما السؤال الثاني فيخص شطب النص، وفي إجابتها قالت الشيخة أفراح: لا أستطيع أن أحرر أي نص من نصوص فما يخرج من الوهلة الأولى، كأنه العشق الأول، كأنه الطفل الأول هو ما أكتبه على الورق حتى انني وضعت عبارة في حسابي بالتواصل الاجتماعي: «أكتب من قلبي، إلى قلمي، على ورقي، فدائماً الإحساس الأول، الفكرة الأولى احتفظ بها ولا أغيرها» أما من ناحية شطب النص نهائياً فتجيب: «لا يمكن».

بين القصيدة والرواية

وسألت د. ريم الرديني عن إمكانية اتجاه الشيخة أفراح لكتابة الرواية لتجيب «أنا لا أستطيع أن أكتب الرواية، لأن نفسي قصير، والشعر مختصر للرواية، فأنا أنسج الرواية يمكن تكون لدي رواية عظيمة وأعيشها، وأراها أمامي، لكن اختصرها في أسطر القصيدة، ويمكن تعبر تلك القصيدة عن ألف رواية، لأنها تدخل في الإحساس، وفي كل شيء يمس الكاتب والحدث». وسألتها أحد الحاضرات عن سبب تسمية ديوانها «شغف أزرق» لتجيب الشيخة أفراح «أنا أحب البحر بكل حالاته، في موجه، وغضبه، وهدوئه، واستقراره، وحالات المد والجزر»، أما الروائية باسمة العنزي فأشادت بالأمسية وشكرت الشاعرة الشيخة أفراح على هذه الأمسية الأنيقة، وسألتها عن صوت الرقيب الداخلي، لتعلق الشيخة أفراح وتقول «سؤال جميل، والرقيب الداخلي موجه إلى حد ما، ودافع، وأشبه بالمايسترو، يقوم بتوجيهك ومن ثم تقومين بصياغة القصائد، ودائماً الصوت الداخلي يتعين أن يكون موجوداً، فهو صوت متفرد لا يشبه أحداً».

back to top