اكتتاب «طلبات»... تجربة نجاح تكشف خيبات المبادرة في الكويت

شركة كويتية قيمتها 10 مليارات دولار لم نستفد منها مالياً ولم نحسّن بيئة الأعمال والاستثمار
• للمرة الثالثة تضيّع بورصة الكويت فرصة الإدراج لشركة تشغيلية لمصلحة الأسواق المحيطة

نشر في 28-11-2024
آخر تحديث 27-11-2024 | 18:57
محمد البغلي
محمد البغلي

ألقى الاكتتاب الذي طرحته مجموعة ديليفري هيرو الألمانية لوحدتها في الشرق الأوسط، «شركة طلبات»، في سوق دبي المالي، الضوءَ على جانب مظلم من بيئة الأعمال الكويتية.

فشركة «طلبات» المتخصصة في عمليات توصيل السلع والمنتجات، والتي من المرجح أن تبلغ قيمتها السوقية 10 مليارات دولار، بعد طرح 15 بالمئة من رأسمالها في الاكتتاب، قبل أن يعلن أمس عن رفعه إلى 20 بالمئة، وتغطيته خلال دقائق من بدايته، هي بالأصل شركة كويتية أسست عام 2004 برأسمال لا يتجاوز 4 آلاف دينار، لتتوسع أعمالها خلال سنوات قليلة، وتشتريها مجموعة ديليفري هيرو الألمانية بقيمة ناهزت الـ 50 مليون دينار عام 2015، قبل أن تدمج عملياتها مع الشركة المنافسة «كاريدج» في كيان واحد.

تضييع المنافع

وفي الحقيقة، فإن اكتتاب «طلبات»، بغضّ النظر عن تحفيز الشركة للنزعة الاستهلاكية في الأسواق والمجتمعات، يظل قصة نجاح لافتة على مستوى منطقة الخليج العربي، بل ودول الشرق الأوسط، لكن جانبها المظلم لبيئة الأعمال المحلية يتمثل في عدم استفادة الاقتصاد الكويتي من أيّ منافع من الشركة المليارية، لا على صعيد المالية العامة، ولا من ناحية تطوير سوق المشاريع الصغيرة وتحفيز المبادرات، ولا حتى على مستوى تنويع الخيارات في سوق المال.

ما أصاب الإدارة العامة من شبه انعدام رغبة في التعامل مع أي فكرة جديدة أو غير تقليدية هو جزء من تضييع الفرص بالكويت

فعلى الرغم من أن «طلبات» شركة كويتية المنشأ، فإن الدولة مثلاً لم تحقق من وجودها استفادة مالية مباشرة تتعلق بعوائد ضريبية من صفقة البيع عام 2015، ولا حتى استفادة غير مباشرة تتمثل في خلق بيئة محفّزة للمبادرات والابتكار، خصوصاً أن نجاح «طلبات»، أو على الأقل انتشارها، كان يمكن أن يشجع الدولة والقطاع الخاص على احتضان مجموعة من الأفكار والمبادرات التي تستحق التطوير في قطاعات يحتاجها الاقتصاد، كالتكنولوجيا، والبيئة، والصحة، والصناعات الغذائية، وغيرها، خصوصاً على صعيد المشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي تكون فرص الابتكار فيها أوسع إذا أحسنت إدارة بيئة الأعمال فيها.

غياب الإدراج

غير أن الخسارة الفعلية والملموسة التي تمثّل درجة «الخيبة» كانت في تضييع فرصة إدراج سهم «طلبات» في سوق المال الكويتي، أي البورصة، فعلى الرغم من أن الشركة بالأصل كويتية، فإن ملّاكها اختاروا سوق دبي المالي لعملية طرح الاكتتاب، ثم الإدراج، وهو ما يضيّع على بورصة الكويت فرصة تنويع مكونات السوق بسهم تشغيلي وفرصة استثمارية للشركات والأفراد في الكويت، كما أنه يضيف للبورصة مستوى مهنياً أفضل في التعامل مع اكتتاب متعدد الأطراف من حيث تدفقات السيولة الأجنبية، سواء كان مصدرها صناديق سيادية أو شركات وبنوك أو أفراد من خارج البلاد.

نجاح «طلبات» كان يفترض أن يشجع الدولة والقطاع الخاص على احتضان الأفكار والمبادرات التي تستحق التطوير

3 شركات

وفي الحقيقة، فإن اكتتاب «طلبات» لم يكن الوحيد الذي خسرته بورصة الكويت من شركات كويتية تشغيلية ارتأى ملّاكها الإدراج في بورصات خليجية دون الكويت، فشركة أمريكانا للمطاعم العالمية «بي إل سي»، التابعة لشركة أمريكانا الكويتية طرحت 30 بالمئة من رأسمالها للاكتتاب عام 2022 (قبل أن تنضم الشركة للائحة حملات المقاطعة) بقيمة تجاوزت 1.8 مليار دولار، تبعه إدراج مزدوج ومتزامن في سوق أبوظبي للأوراق المالية والسوق السعودي «تداول»، كما أدرجت شركة أجيليتي الكويتية وحدتها التابعة، «شركة أجيليتي جلوبل»، التي تضم كل أصولها العالمية في سوق أبوظبي برأسمال 625 مليون دولار عن طريق توزيع الأسهم على مساهمي الشركة الأم.

غياب المبادرة

ولعل أهم ما يمكن أن يعكسه اكتتاب «طلبات» هو أن الكويت فقدت، إلى حد كبير، قدرتها على المبادرة وصناعة الفارق، وهي التي تميّزت في النصف الثاني من القرن الماضي بالعديد من المبادرات الاقتصادية والاستثمارية في مجالات متعددة لا تنحصر في منطقة الخليج العربي، بل في منطقة الشرق الأوسط والعالم، فالخطوط الجوية الكويتية هي أول شركة طيران خليجي، وصندوق الثروة السيادية المحلي هو الأول من نوعه عالمياً، فضلاً عن مبادرات الأمن الغذائي والاجتماعي والتعاوني كشركتي المطاحن والتموين، علاوة على النظام الفريد خليجياً عبر الجمعيات التعاونية، إلى جانب تطوير مفهوم الترويج السياحي لشركة المشروعات السياحية، عدا عن أسبقية الكويت في إدارة الأصول المملوكة للمواطنين كصناديق التقاعد «التأمينات» و«الأوقاف» و«القصّر» بإدارة مماثلة لإدارة أموال الدولة السيادية.

ليست مسألة أموال

ولم يكن المال وتوافره هو السبب الوحيد في دعم المبادرة أو الابتكار خلال أي فترة زمنية، فالكويت تلقّت خلال سنوات قليلة سابقة فوائض بعشرات المليارات قابلتها سنوات من العجوزات المليارية أيضاً، ولم يكن المال فيها لا محفزاً ولا عائقاً أمام أي فكرة أو منتج أو حتى مغامرة تستحق التجربة... فما أصاب الإدارة العامة من شبه انعدام الرغبة في التعامل مع أي فكرة جديدة أو غير تقليدية هو جزء أساسي من ضياع فرص الاستفادة من تحويل اكتتاب «طلبات» إلى منافع اقتصادية ومالية على شكل عوائد أو تنمية لبيئة الأعمال أو تنويع لمكونات سوق المال.

back to top