مرافعة: أعباء قضائية!
بعيداً عن طلبات المتقاضين أو وكلائهم من المحامين أمام المحاكم والهيئات القضائية بمختلف أقسامها، فإن هناك عبئاً وضغطاً معنوياً يعيشه القاضي في إدارة منظومة العدالة ينبغي النظر إليه، والعمل على توفير بيئة عمل تمكنه من أداء مهامه في ظل التعثر الإداري الذي تشهده إجراءات التقاضي في المحاكم.
وذلك العبء المعنوي الواقع على السادة القضاة والمستشارين، وفق ما نشهده أثناء حضورنا أمام الدوائر القضائية بمختلف أقسامها، ينقسم إلى أمرين الأول هو العبء في التزام القاضي بوظيفته القضائية التي تحتم عليه العمل بواجبه الفني المحكوم بمجموعة من القواعد الإجرائية، التي يتوجب عليه الالتزام بها، ومجموعة أخرى من القواعد المهنية المرتبطة بسمته القضائي وبالتقاليد القضائية.
بينما الالتزام الثاني الذي يمثل عبئا على القاضي هو التزامه الإداري بعقد الجلسات في مواعيدها وضبطها بما يتوافق مع أحكام القانون، وهو ما يتعين عليه الالتزام بمجموعة من قواعد السلوك القضائي في إدارة الجلسات ومنها المساواة بين الخصوم، والتعامل معهم بحلم وبرحابة صدر على نحو يعكس مهنية القاضي في تحقيق العدالة دون ميل أو تعسف.
وعلاوة على تلك الضغوط التي يعيشها السادة القضاة في إدارة الجلسات وملفات الدعاوى، فإن لديه من الضغوط الاجتماعية تجاه محيطه الاجتماعي الذي يتعين منه القيام بالعديد من الواجبات تجاهه، وضغوطاً تجاه واجباته الأسرية، التي عادة ما يكون مقصراً تجاهها في ظل ما يواجهه من أعباء كبيرة تفرضها طبيعة العمل.
وليس ذلك فقط، فقد يواجه القضاة اتهامات وطعناً من أشخاص لا يرتضون أحكامهم أو قراراتهم فيعمدون إلى التشهير بهم في وسائل التواصل الاجتماعي وعبر حسابات وهمية، ويكيلون لهم السباب ويلصقون بهم التهم، بهدف إزعاجهم وبث القلق والتوتر في محيطهم الأسري والاجتماعي، أو يتقدمون ضدهم بشكاوى كيدية أو بطلبات رد، الغاية منها ثني القضاة عن أداء مهامهم.
ومثل ذلك العبء الأخير الذي يواجهه القاضي يتطلب منه التوازن والتمسك بسمته القضائي، والتعامل مع الخصوم بروح العدالة والمساواة، وكأن ما يثار حوله لا يعنيه، وهو ما يتعين العمل عليه رغم أنه يثقل كاهله ويؤدي به إلى التفكير به، وهو أمر طبيعي لأن القاضي بشر في نهاية الأمر، مثلنا، يفرح ويغضب ويتأثر وينزعج، رغم أن القانون يوجب عليه عدم إظهار ذلك أو عدم الحكم وهو في تلك الحالات، كالغضب أو التأثر، حفاظاً على مبدأ حياد القاضي وتجرده.
استعراض تلك الأعباء على السادة القضاة والمستشارين يأتي بهدف المطالبة بإيجاد بيئة إدارية صحية يؤدي فيها السادة القضاة أعمالهم بكل سهولة ويسر، فضلاً عن التفات الوزارة ومجلس القضاء إلى العديد من المطالب التي قد تخفف الضغط الأسري عليهم والأعباء الملقاة على عاتقهم حتى يتفرغوا تماماً لأداء عملهم الفني، كإقرار التأمين الصحي أو العلاج بالخارج لهم ولأسرهم أو توفير بدل تعليمي لأبنائهم، وغيرها من المزايا، وإقرار التقاعد القضائي لهم، وهي مسائل تتدخل الدولة فيها من أجل تخفيف الأعباء والضغوط على العاملين في القضاء والنيابة العامة، نظير ما يقدمونه من خدمة العدالة.