شهد لبنان يوماً ثانياً من اتفاق وقف إطلاق النار، مع خروقات أكبر من اليوم الأول لم تؤثر على صمود الهدنة، لكن ديناميكية أمنية وسياسية جديدة بدأت تظهر، لناحية التزام بيروت بتطبيق الاتفاق ومندرجاته وبنوده غير المكتوبة مثل انتخاب رئيس للجمهورية والتمديد لقائد الجيش.

وعلى الرغم من استمرار الخروقات الإسرائيلية في الجنوب من خلال عمليات قصف واستهداف للسكان ومنعهم من التحرك في القرى الحدودية، باشرت الوحدات العسكرية للجيش اللبناني تنفيذ مهماتها في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، بما في ذلك الحواجز الظرفية، وعمليات فتح الطرقات وتفجير الذخائر غير المنفجرة، في موازاة تعزيز انتشار الجيش في قطاع جنوب الليطاني بعد البدء بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.

Ad

وأعلنت قيادة الجيش - مديرية التوجيه، في بيان، أنّ «هذه المهمات تأتي في سياق الجهود المتواصلة التي يبذلها الجيش بهدف مواكبة حركة النازحين، ومساعدتهم على العودة إلى قراهم وبلداتهم، والحفاظ على أمنهم وسلامتهم».

إلى ذلك، مدد مجلس النواب أمس لقائد الجيش العماد جوزيف عون لمدة سنة من ضمن تمديد سن التقاعد للضباط من رتبة عميد، وقد صوت حزب الله على القانون بخلاف التمديد السابق. وترافق ذلك مع تصريحات إيجابية من قبل النائب عن حزب الله حسن فضل الله تجاه الجيش ومسألة انتشاره في الجنوب، الا أن صحيفة «الأخبار» الموالية للحزب واصلت حملتها اللاذعة ضد الجيش وقائده بما يوحي بأن الحزب يوازن موقفه تجاه الجيش مع تجنب الوصول إلى حد تصادم مباشر من أي نوع.

يبقى الأساس في التركيز على دور الجيش اللبناني لجهة وضع آلية واضحة لدخوله إلى جنوب نهر الليطاني وخطة انتشاره هناك، وذلك يحتاج إلى فترة لتوفير العدد اللازم والعتاد المطلوب. فعلى صعيد العدد اتخذت الحكومة قراراً بإدخال 1500 عسكري جديد لإرسالهم إلى الجنوب، تبقى هناك حاجة إلى حوالي 4500 عنصر جديد سيتم العمل على التحضير لضمهم إلى الجيش، في موازاة دور مساند ستلعبه مصر، والأردن والإمارات في إطار تجهيز العديد من الكتائب باللوازم العسكرية واللوجستية ليصبح جاهزاً لإتمام عملية الانتشار.

وبحسب المعلومات، فإن اتفاق وقف النار الذي تم التوصل اليه بوساطة أميركية وفرنسية، ينص على تقسيم عملية انسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب على ثلاث مراحل في القطاعات الثلاث. إذ يفترض بعد تجهيز الجيش أن تبدأ القوات الإسرائيلية بالانسحاب من القطاع الغربي لمدة عشرين يوماً، وبعدها من القطاع الأوسط لمدة عشرين يوماً، وأخيراً من القطاع الشرقي لمدة عشرين يوماً، ويفترض أنه مع بدء الخروج الإسرائيل أن يعزز الجيش اللبناني خطة انتشاره وبناء المواقع والثكنات في مختلف المناطق الجنوبية.

على جبهة أخرى، عقدت جلسة التمديد لعون تحت أنظار وبمشاركة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان الذي زار بيروت بهدف تنشيط مساعي انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

وعقد لودريان لقاءات مكثفة مع مختلف الكتل النيابية في دفع سياسي جديد تجاه الملف الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية، وسط معلومات تتحدث عن ضغوط دولية أميركية فرنسية بالتحديد لإنجاز الاستحقاق الرئاسي قبل انتهاء فترة الستين يوماً وتشكيل الحكومة أيضاً. في هذا السياق جاء تحديد رئيس مجلس النواب نبيه بري موعداً لعقد جلسة انتخابية في التاسع من يناير المقبل، في محاولة لإنجاز الاستحقاق أيضاً قبل دخول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وعبر بري عن أمله أن تكون جلسة انتخاب الرئيس مثمرة، مضيفاً أنه سيدعو إليها سفراء الدول، وأنه أعطى مهلة شهر للتوافق.

وسيكون بري نفسه وحزب الله أمام التحدي الكبير في مسألة انتخاب رئيس بعد أن حال تمسكهما بترشيح حليفهما الوفي سليمان فرنجية أمام انتخاب رئيس لمدة سنتين بسبب رفض القوى المسيحية الأساسية لفرنجية.

وعمل لودريان على التشاور مع الكتل في محاولة لحصر الترشح بمجموعة أسماء و»جوجلتها» لاحقاً مع الدول الخمس المعنية بلبنان فإما يكون هناك توافق بين القوى على اسم واحد، أو الاتجاه إلى جلسة الانتخاب بعدد محصور من الأسماء والاستمرار في عقد الجلسات إلى حين انتخاب الرئيس. في مقابل ذلك، تبرز تحديات اخرى أمام حزب الله أبرزها إتمام مراسم تشييع أمينه العام السابق حسن نصرالله التي يريدها مناسبة لإعادة إظهار القوة الشعبية الكبيرة للحزب، بالإضافة إلى تحدي آلية الخروج من الجنوب من دون أن يتأثر الحزب سياسياً أو يضعف، وثالثاً تحدي إعادة الإعمار الذي سيكون مرتبطاً بالحصول على مساعدات خارجية مشروطة بالوصول إلى تسوية سياسية شاملة تنتج رئيساً للجمهورية وتتشكل بموجبها حكومة تحظى بثقة المجتمع الدولي وتكون قادرة على عقد المؤتمرات للحصول على المساعدات.

وقال محللون إن الحزب يجد نفسه منقسماً بين الحاجة الى المكابرة لإعادة ترميم صورته التي انكسرت وبين الاعتراف بالوقائع الجديدة والدفع باتجاه مشهد سياسي جديد.

وبرز هنا كلام النائب عن حزب الله حسن فضل الله الذي رفض أمس أي كلام عن سلاح حزب الله معتبراً أن «سلاح وحق المقاومة هي حق إنساني وضمن المواثيق الدولية واتفاق الطائف والبيانات الوزارية التي حولت الحق في المقاومة إلى عرف دستوري وحقنا في الدفاع المشروع عن أنفسنا».

وفي الجنوب، جدد الجيش الإسرائيلي حظر الانتقال الليلي في جنوب نهر الليطاني، فيما شن قصفاً مدفعياً على عدة مناطق بينها ساحة بلدة الطيبة، ومرتفعات بلدة حلتا قضاء حاصبيا والخيام وسهل مرجعيون والبيسارية. وقال الجيش الاسرائيلي، إنه «رصد وصول عدد من المشتبه فيهم بعضهم كانوا يستقلون مركبات إلى عدة مناطق في جنوب لبنان وأنه أطلق النار صوبهم لإبعادهم»، متحدثاً عن خرق لاتفاق وقف النار.

وقالت القناة 14 الإسرائيلية إن قوات الجيش هاجمت بطائرة مقاتلة منطقة صيدا في جنوب لبنان بعد «رصد تهديد».

وكان الجيش الإسرائيلي رسم حدود منطقة فاصلة بعمق نحو 6 كيلومترات وقال إنه محظور على سكانها العودة إليها «حتى إشعار آخر».

ويبدأ الخط شرقاً من شبعا والهبارية ومرجعيون وأرنون ويحمر والقنطرة ثم يربط الوسط عبر شقرا وبرعشيت وياطر وصولا إلى المنصوري غرباً.

وقال المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي افي بيات انه «تم رصد نشاط إرهابي داخل موقع لحزب الله الارهابي كان يحتوي على قذائف صاروخية متوسطة المدى في جنوب لبنان. وتم إحباط التهديد من خلال غارة لطائرات حربية»، مضيفاً أن «جيش الدفاع منتشر في منطقة جنوب لبنان، ويعمل ويحبط كل خرق لاتفاق وقف اطلاق النار». وقال مراقبون إن إسرائيل تحاول فرض ما كانت تطلق عليه «حرية العمل في لبنان» كأمر واقع، وتختبر اذا كان حزب الله سيرد.