وين يروحون وين يولون؟

نشر في 29-11-2024
آخر تحديث 28-11-2024 | 20:47
 حسن العيسى

إما دولة قانون واحترام أحكامه أو دولة مزاج وأهواء وفوضى واستبداد ولا وسط بين الاثنتين. سحب الجنسية وإلغاؤها عن عشرات ومئات الكويتيات سواء كن متزوجات أو مطلقات أو أرامل لكويتيين – وغداً سيصل الرقم إلى آلاف المظلومات والحبل على الجرار- هو انتهاك لأبسط المبادئ القانونية وحقوق الإنسان.

دولة القانون كي تستحق هذه الصفة «القانونية» لا يكفي أن تصدر السلطة صاحبة الأمر والنهي أوامر وقوانين تنفذها دون رقابة ولا محاسبة حين تكون سلطة القضاء معطلة عن النظر في سلوك الحكومة بسبب موانع تشريعية سابقة – منع القضاء من النظر في مسائل الجنسية - بل يجب أن تكون تلك القواعد القانونية مثبتة لروح الطمأنينة والاستقرار في نفوس الناس، فهي – حسب الأصل – يجب أن تكون عامة ومجردة و«توقيعية»، أي يتوقع الناس المخاطَبون بالقاعدة رد الفعل لمخالفة أحكامها، والأهم ألا تكون بأثر رجعي في خصوصية التشريعات الجزائية.

أين نحن مما سبق؟ نساء كسبن الجنسية الكويتية منذ زمن طويل أو قصير وفق المادة الثامنة من قانون الجنسية، وأصبحن أمهات لمواطنين، والآن فجأة تأتي السلطة لتنفي عنهن صفة المواطنة بقرار عشوائي وتبرير قانوني واهٍ، بحجة أنهن أخذن الجنسية من غير صدور مراسيم في ذلك الوقت، في حين لم يكن في ذلك الزمن يُشترط صدور مراسيم لكسب الجنسية للمتزوجة من الكويتي، ومن سلطة وزير الداخلية منح الجنسية أو رفض المنح حسب الشروط التي تقررها تلك المادة، فلماذا الآن وبقرار مدمر يتم سحب الجنسية من تلك الفئة النسائية؟ وإذا كان هناك بعض التجاوزات في استغلال المادة السابقة لحالات محددة فهل يصح أن تتم معاقبة جميع النساء وتحميلهن وزر القلة؟

ماذا يفعل أولئك النساء؟ بعضهن اقترض، ورهن، وتملك بالشراء بيوتاً تؤويهن مع أسرهن. بعضهن أرامل، ومطلقات ليس لهن مكان ولا بلد يحميهن من غوائل الدهر. ماذا يفعلن... «وين يروحون وين يولون» يا حكومة؟ إذا كان هناك مبرر لإسقاط الجنسية وسحبها من مزور ومتلاعب بيقين، والأفضل أن يقرر القضاء هذا الأمر، وإذا كان هناك سبب لتصحيح أوضاع سابقة كان منح الجنسية خلالها يخضع لمساومات ومقايضات ذوي نفوذ وسلطان، فما المبرر اليوم لسحب الجنسية بأثر رجعي – وهذه عقوبة - عن زوجات ومطلقات كسبن الجنسية وفق صحيح القانون ذلك الوقت؟ أما كان من الأوْلى محاسبة هؤلاء ممن استغل السلطة من كبار الرؤوس في ذلك الزمن وتلاعب بأحكام القانون، بدلاً من البحث عن أكباش فداء من البؤساء؟

ملاحظة: بعد كتابة المقال، صرح رئيس مجلس الوزراء بالإنابة الشيخ فهد اليوسف بأنه لن يمس الحقوق المالية للمطلقات والأرامل وزوجات الكويتيين اللواتي تم سحب جنسياتهن من معاش تقاعدي ورواتب. تلك خطوة في الطريق الصحيح، لكن تظل القاعدة ثابتة بأن سحب الجنسية عنهن كأصل يخالف مبادئ العدالة وحكم القانون.

back to top