حل اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني على العالم أمس في واحدة من أدق المراحل التاريخية في عمر قضية فلسطين ومسيرة معاناة شعبها، في وقت يزداد الدعم الكويتي التاريخي للقضية رسوخاً، ويتصاعد زخمه رسمياً وشعبياً في كل المسارات الدبلوماسية والإنسانية.

ودأبت دولة الكويت على تسخير جهودها الرامية إلى التوصل لحل عادل وشامل للقضية من خلال ثقلها الدبلوماسي ومواقفها الصلبة التي تجسدت في مختلف المناسبات والمحافل الدولية على مدى عقود، لا سيما منذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر العام الماضي.

Ad

وترجمت كلمة سمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد في قمة القاهرة للسلام قبل نحو عام ذلك الموقف الكويتي التاريخي، إذ شدد سموه على موقف الكويت الثابت قيادة وحكومة وشعباً في دعم الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967.

وأكدت كلمة سموه رفض الكويت أية دعوات هدفها التهجير القسري لأبناء الشعب الفلسطيني، وأن المأساة الإنسانية، التي أدت إلى سقوط آلاف الضحايا الأبرياء أطفالاً ونساءً ورجالاً في قطاع غزة هي نتيجة عدم سعي المجتمع الدولي لإيجاد حل عادل وشامل ونهائي لهذه القضية، والتعامل مع الانتهاكات الإسرائيلية بمعايير مزدوجة.

محطة فاصلة

كما مثلت مشاركة الكويت في الأسبوع الرفيع المستوى للدورة الـ 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في مقر المنظمة الدولية بنيويورك سبتمبر الماضي، محطة فاصلة في تثبيت أركان الموقف المبدئي لدولة الكويت على مدى التاريخ في دعم القضية الفلسطينية.

وواجهت كلمة ممثل سمو الأمير في هذا المنبر الأممي المجتمع الدولي بحقيقة عجز مجلس الأمن عن إيقاف الإبادة الجماعية في فلسطين، وما يعكسه ذلك من مثال قاطع مؤسف على نهج الكيل بمكيالين في تطبيق القانون الدولي.

وتشدد الكويت في كل المحافل على أنها لن تتوانى عن مد يد العون للشعب الفلسطيني الشقيق، والاستمرار بدعمه في ظل ما يتعرض له من ظلم وعدوان، وأنها ستتواجد دائماً وأبداً في صفوف المناصرين للقضية الفلسطينية، متمسكة بخيار السلام العادل والشامل وفقا للمرجعيات والقرارات الدولية ذات الصلة.

وتشكل العلاقات الكويتية ــ الفلسطينية إحدى أوثق العلاقات عمقاً وأكثرها تجذراً، عبر التاريخ حتى منذ ما قبل النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني عام 1948، حيث ارتبطت بأواصر تاريخية وقومية ودينية.

ويسجل التاريخ أسبقية المساهمات والمبادرات الكويتية في دعم القضية، حيث كانت أول دولة عربية تسمح للفلسطينيين بإجراء انتخابات لاختيار أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني الأول، كما احتضنت في عام 1964 مكتب منظمة التحرير الفلسطينية على أراضيها للقيام بدور ريادي في تسليط الضوء على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

جذور التضامن

وبحسب تقرير لـ «كونا»، تمتد جذور يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني إلى عام 1977 بموجب القرار (40/ 32 ب) الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتخصيص يوم التاسع والعشرين من نوفمبر من كل عام، لهذا الغرض، وهو اليوم ذاته الذي شهد صدور قرار تقسيم فلسطين عام 1947.

ودعت لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، المجتمعَ الدولي إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وضمان محاسبة مرتكبي الانتهاكات، وتحقيق العدالة للضحايا ودعم الحقوق التي طال انتظارها للشعب الفلسطيني.

وأكدت اللجنة في الفعالية التي أقامتها الثلاثاء الماضي، أن الاحتفال باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني يأتي هذا العام وسط معاناة ومأساة غير مسبوقة، وأن الاستمرار في حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه خيانة لمبادئ الإنسانية والعدالة.

«أونروا»

وأسفرت حملات الاستهداف الممنهج للوكالة، التي تأسست بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949 وجرى تفويضها بتقديم المساعدة والحماية للاجئين، عن تعليق أكثر من 10 دول تمويلها لـ «أونروا» بشكل مؤقت، وسط تأكيد أممي على أهمية دور الوكالة ورمزيته إلى التزام المجتمع الدولي بحقوق الإنسان واللاجئين.

في المقابل، يشهد العالم في الآونة الأخيرة ازدياد التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني ومشاركة نضاله ضد الاحتلال الإسرائيلي وسياساته التوسعية، حيث انتشرت التظاهرات الداعمة للحق الفلسطيني حول العالم، وبرزت مواقف دولية غير مسبوقة تاريخيا.

وبعد نحو عقدين من حكم محكمة العدل الدولية عام 2004 بمخالفة جدار الفصل العنصري للقانون الدولي الإنساني، مثلت إسرائيل لأول مرة في تاريخها أمام المحكمة، عبر الدعوى التي أقامتها دولة جنوب افريقيا بشأن الانتهاكات الإسرائيلية وأعمال الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

«الجنائية الدولية»

كما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال ضد كل من رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.

وشهدت المرحلة الماضية إحياء ملف الاعتراف بدولة فلسطين دولة مستقلة ذات سيادة على حدود عام 1967 على المستوى الدولي، حيث بادر عدد من الدول بإعلان اعترافها بفلسطين بينها سلوفانيا وإسبانيا وأيرلندا والنرويج.

كما لا يزال الإجماع العربي حول مركزية القضية الفلسطينية متجسدا في الحراك المتنامي في كل المحافل وتصدرها أجندة الاجتماعات والمباحثات والمؤتمرات والقمم التي انخرطت فيها الدول العربية، لا سيما خلال الفترة الماضية، وما تلاها من مواقف مشتركة تدعو إلى إيقاف الحرب وإنهاء الاحتلال، وتجدد تأكيد الرفض العربي القاطع لأي محاولات للتهجير القسري للشعب الفلسطيني.

ولأول مرة في تاريخ الأمم المتحدة شهد عام 2023 إحياء (ذكرى النكبة) من خلال تنظيم حدثين بمقر الأمم المتحدة، شاركت في تنظيمهما اللجنة والبعثة المراقبة الدائمة لفلسطين لدى الأمم المتحدة.

70 % من مواطني غزة تحت خطر المجاعة

تقدر الخسائر الأولية المباشرة لعدوان الاحتلال على قطاع غزة بما يزيد على 30 مليار دولار، علاوة على تحويل القطاع إلى مكان غير قابل للعيش ويفتقر لأساسيات الحياة من مسكن ومأكل ومياه، حيث يقبع ما لا يقل عن 70 في المئة من مواطنيه تحت خطر المجاعة.

وبحسب آخر إحصائية أعلنتها وزارة الصحة الفلسطينية قبل أيام، بلغ عدد العائلات التي مُسحت بالكامل من السجل المدني من جراء مجازر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة 1410 عائلات.

عدالة القضية والحق في تقرير المصير

على مدى 76 عاماً منذ نكبة عام 1948 لا يزال الشعب الفلسطيني يستمد قدرته الملحمية على الصمود من إيمانه بعدالة قضيته، وديمومة نضاله، وحقه في تقرير المصير وإقامة دولته.

وتضاعف عدد الفلسطينيين نحو 10 مرات منذ عام النكبة، حيث تجاوزوا 14 مليوناً حتى نهاية عام 2023، منهم أكثر من 5 ملايين يعيشون في فلسطين، ونحو 1.75 مليون في الأراضي المحتلة عام 1948، وحوالي 6.56 ملايين نسمة في الدول العربية، وقرابة 772 ألفا في الدول الأجنبية.

أكثر من 134 ألف شهيد منذ النكبة

وفق بيان الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني الصادر في مايو الماضي، فإن أكثر من 134 ألفاً استشهدوا من الفلسطينيين والعرب منذ النكبة وحتى اليوم داخل فلسطين وخارجها، منهم نحو 35 ألف شهيد خلال عدوان الاحتلال المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023.

ونالت فلسطين وضع الدولة المراقب غير العضو في الأمم المتحدة في عام 2012، وهو الأمر الذي أنهى الجدل القانوني حول وضعها كدولة، إذ تمكنت إثر ذلك من الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية وميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية.

الوعي العالمي وانكشاف حقيقة المجازر الإسرائيلية

أسهمت إفرازات العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة في صعود السردية الواقعية عن أحداث النكبة عام 1948 في الوعي العالمي على حساب سردية الاحتلال، فضلاً عن الانكشاف الصارخ لحقيقة المجازر المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني.

وتعنى لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف والمنشأة في عام 1975 بوضع برامج من أجل تمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير من دون تدخل خارجي، وفي الاستقلال والسيادة الوطنيين والعودة إلى دياره وممتلكاته.

وشهد عام 2015 رفع العلم الفلسطيني أمام مقار ومكاتب الأمم المتحدة حول العالم، حيث اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً برفع أعلام الدول المشاركة بصفة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة بما في ذلك علم دولة فلسطين، وقد أقيمت مراسم رفع علم دولة فلسطين بمقر الأمم المتحدة في نيويورك يوم 30 سبتمبر 2015.

واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في مايو الماضي مشروع قرار يدعم طلب فلسطين للحصول على عضوية كاملة بالمنظومة، ويوصي مجلس الأمن بإعادة النظر في الطلب بشكل إيجابي، كما يمنح فلسطين حقوقا وامتيازات إضافية تتعلق بمشاركتها في الأمم المتحدة.

ودعا مشروع القرار أيضا المجتمع الدولي إلى بذل جهود متجددة ومنسقة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ عام 1967 والتوصل إلى تسوية عادلة ودائمة وسلمية لقضية فلسطين والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وفقا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.