في اليوم الرابع من هجومها الأكبر في شمال سورية منذ عام 2016، سيطرت هيئة تحرير الشام الإسلامية (جبهة النصرة سابقاً) والفصائل الموالية لتركيا على أغلبية مدينة حلب، وأعلنت إحكام قبضتها على كل محافظة إدلب، ووسعت هجومها باتجاه حماة، في إطار تصعيد مفاجئ دفع الجيش السوري والحرس الثوري الإيراني والمجموعات الموالية له، إلى الانسحاب من مواقع استراتيجية وتسليم قسم كبير منها إلى قوات سورية الديموقراطية (قسد) ذات الأغلبية الكردية المدعومة أميركياً، والتي سيطرت على بعض النقاط الاستراتيجية في الشهباء، وفضّلت الانسحاب من بعضها الآخر.
وغداة إحكام سيطرتها على المدينة ومقر الشرطة ومبنى المحافظة والقصر البلدي والساحة الرئيسية و14 حيّاً سكنياً، وغيرها من المواقع، فرضت الفصائل المعارضة اليوم، حظر تجول شاملاً، موضحة أنه يقع «تحت طائلة المساءلة، وحفاظاً على سلامة أهل المدينة، وتأميناً للممتلكات الخاصة والعامة من العبث».
واعترف الجيش السوري بأن «التنظيمات المنضوية تحت جبهة النصرة، مدعومةً بآلاف الإرهابيين الأجانب وبالأسلحة الثقيلة وأعداد كبيرة من الطائرات المسيّرة شنت هجوماً واسعاً من محاور متعددة على جبهتَي حلب وإدلب، أسفرت عن مقتل عشرات الجنود»، مشيراً إلى أنه «بعد معارك شرسة على شريط يتجاوز 100 كم، نفّذ عملية إعادة انتشار هدفها تدعيم خطوط الدفاع».
وأقرّ الجيش السوري بدخول الفصائل الجهادية والمعارضة إلى «أجزاء واسعة» من مدينة حلب، مؤكداً «توجيه ضربات مركزة وقوية، وذلك ريثما يتم استكمال وصول التعزيزات العسكرية وتوزيعها على محاور القتال استعداداً للقيام بهجوم مضاد».
وفي تحرُّك غير متوقع، قام الجيش السوري والحرس الثوري بالانسحاب من حيَّي نبل والزهراء الشيعيين ومطار حلب لمصلحة قوات سورية الديمقراطية (قسد)، المدعومة من الجيش الأميركي.
وعلى الفور، أعلنت «قسد» أنها وسّعت نطاق سيطرتها بالضواحي الشرقية لمدينة حلب ونشرت عناصرها في مطارها، متعهدة بأنها ستتخذ التدابير اللازمة في أحياء نبل والزهراء، إضافة إلى الشيخ مقصود والأشرفية ومساكن هنانو والهلّك، وستدافع عنها مناطقها إذا تعرّضت لأي هجوم من هيئة تحرير الشام وحلفائها الموالين لتركيا.
وأوضح المرصد السوري أن هيئة تحرير الشام والفصائل سيطرت على معظم مدينة حلب وقلعتها ومراكز حكومية وسجون من دون مقاومة كبيرة»، مشيراً إلى أن «محافظ حلب وقيادات الشرطة والأفرع الأمنية انسحبوا من وسط المدينة».
وقال مدير المرصد رامي عبدالرحمن: «من الغريب أن نرى الجيش يتلقى ضربات قوية كهذه، رغم الغطاء الجوي الروسي والمؤشرات المبكرة على أن تحرير الشام ستشن هذه العملية».
وفي الوقت الذي قالت «قسد» إن الهجوم خططت له تركيا، اتهمت وكالة الأناضول دمشق بتسليم مواقعها الاستراتيجية بحلب، بما فيها المطار الدولي وحيَّي نبل والزهراء والمنطقة الصناعية وتل حاصل وتل عرن، إلى تنظيم «بي كي كي»، الذي تصنّفه أنقرة إرهابياً. وفي وقت لاحق انسحب الأكراد من المطار، لتعلن الفصائل سيطرتها عليه.
وفي تطور مواز، أعلنت «إدارة عمليات ردع العدوان» السيطرة الكاملة على مدينة معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي، بعد انتزاعها عدة بلدات في ريفها الشرقي، أبرزها كفرومة وجرجناز وتلمنّس ومعرشورين.
وغداة دخولها مدينة سراقب ذات الأهمية الاستراتيجية، أكدت فصائل المعارضة أنها أحكمت قبضتها على كامل إدلب بسيطرتها على معرّة النعمان، ثاني أكبر مدن المحافظة.
وذكر المرصد أن «الجيش السوري انسحب من كامل محافظة إدلب، بما فيها مطار أبو الضهور العسكري، باستثناء مدن خان شيخون وكفرنبل في جنوب المحافظة»، مشيراً إلى أن قوات الفصائل المسلحة تواصل عمليات التمشيط في القرى والبلدات لإطباق الحصار على تلك المدن.
وأشارت مصادر عسكرية إلى أن دمشق تلقت وعداً بمساعدات عسكرية روسية إضافية، وتتوقع وصول معدات وعتاد عسكري لقاعدة حميميم خلال 72 ساعة.
وذكر المركز الروسي للمصالحة أن قواته الجوية تمكنت من تحييد ما لا يقل عن 200 مسلح من الفصائل المسلحة بمحافظتَي حلب وإدلب خلال الـ 24 ساعة الماضية.
وقال المرصد: «قُتل ما لا يقل عن 16 وأصيب 20 في مجزرة مروعة ارتكبتها طائرات روسية باستهداف حشد بشري عند دوار الباسل في حلب».
وأفاد المرصد بأن عشرات العائلات تتدفّق للمغادرة نحو لبنان، بعد إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، كما شهدت مدينة حلب ومناطق أخرى خارجها حركة واسعة شملت نزوح أكثر من 50 ألف نسمة باتجاه ريفها الشرقي ومناطق أخرى خارج المحافظة كحمص وحماة.
«الحرس الثوري»
دولياًَ، اتهم قائد الحرس الثوري الإيراني، اللواء حسين سلامي، إسرائيل بإثارة الفوضى في سورية، معتبراً أنه بعد «الهزائم الاستراتيجية»، التي مُنيت بها في جبهتَي غزة ولبنان، «شنت الجماعات التكفيرية الإرهابية، تحت قيادة وتوجيه المهزومين في ميادين القتال بغزة وجنوب لبنان، هجمات وحشية جديدة على سورية في الأيام الماضية».
وأضاف أن هذه الهجمات «واجهت ردوداً من الجيش والقوات الشعبية السورية»، وأشار إلى أن هذه الجرائم أودت بحياة «القائد الباسل والشجاع للحرس الثوري كيومرث (هاشم) بورهاشمي (المعروف باسم الحاج هاشم)»، الذي يُعدّ كبير المستشارين العسكريين الإيرانيين في سورية.
وفي وقت سابق، شدد وزير الخارجية، عباس عراقجي، في اتصال هاتفي أجراه مع نظيره السوري بسّام الصباغ، على «دعم إيران المستمر لسورية وأمنها وجيشها في كفاحها ضد الإرهاب».
واعتبر المتحدث باسم «الخارجية» الإيرانية، إسماعيل بقائي، أن «تحركات الفصائل المسلحة تأتي ضمن مخطط أميركي إسرائيلي لزعزعة استقرار المنطقة»، مبيناً أن حلب وإدلب وريفيهما جزء من مناطق خفض التصعيد بموجب اتفاقية أستانة، والهجومم خرق الاتفاق».
من جانبه، وصف المتحدّث باسم «الكرملين»، دميتري بيسكوف، الوضع في حلب بأنه «انتهاك لسيادة سورية». وأعرب عن دعم روسيا، التي شاركت بشكل خاص في استعادة حلب عام 2016، «للحكومة السورية في استعادة النظام في المنطقة وإعادة النظام الدستوري».
تركيا والعراق
في المقابل، أكد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أن بلاده غير منخرطة في الصراع الدائر في محافظة حلب السورية، لكنها ستتخذ خطوات احتياطية في هذا الصدد.
وأوضح فيدان، خلال افتتاح جلسة بعنوان «الحرب والنظام»، أن «تركيا في وسط هذه الحروب، وفي هذه الجغرافيا الهشّة، تؤدي دورا متزايدا في ضمان السلام والاستقرار الإقليميين»، مطالباً بـ «الانتباه إلى حقيقة أن الاستقرار في سورية والعراق والشرق الأوسط وجنوب القوقاز وشرق البحر الأبيض المتوسط، وكذلك البحر الأسود، هو الهدف الأساسي لتركيا».
ودعت «الخارجية» التركية إلى «وقف الهجمات» على مدينة إدلب ومحيطها، معتبرة أن الاشتباكات الأخيرة «أدت إلى تصعيد غير مرغوب فيه للتوترات بالمنطقة الحدودية». كما نفت واشنطن وقوفها وراء الهجوم أو دعمه بأي طريقة. وفي العراق، تفقّد وزير الدفاع، ثابت العباسي، اليوم، القوات المنتشرة على الشريط الحدودي مع سورية للاطلاع على الأوضاع الأمنية، مؤكداً أن «الجيش بصنوفه وتشكيلاته كافة جاهز ويواصل مهامه لحماية العراق وسمائه من أي خطر».
وقال مصدر أمني عراقي إنه «تم نشر 3 ألوية من الجيش ولواءين من الحشد الشعبي على مساحة واسعة من الحدود مع سورية»، من شمال سنجار حتى القائم.
وفي مصر، أكد وزير الخارجية بدر عبدالعاطي، في اتصال هاتفي مع نظيره السوري أمس، دعم الدولة السورية ومؤسساتها الوطنية، وأهمية دورها في تحقيق الاستقرار ومكافحة الإرهاب وبسط سيادة الدولة واستقرارها واستقلال ووحدة أراضيها.
وبحث عبدالعاطي الأوضاع في إدلب وحلب، واستمع إلى شرح وتقييم من الصباغ للتطورات المتلاحقة هناك، وأعرب عن القلق إزاء منحى التصعيد.