أول العمود:
كل وزارة ومؤسسة حكومية لها موقع إلكتروني، لكن قليلاً منها هي التي لديها نافذة لتقديم الاقتراحات والتوصيات من عامة الناس لغرض تطوير العمل فيها.
***
لا يكاد مجتمع في العالم يخلو من العنصرية بمفهومها التقليدي، تختلف الدرجات؟ نعم، تقوم السلطات بمواجهتها أو التراخي تجاهها لأغراض مختلفة؟ نعم، لكنها تظل موجودة دائماً.
تشتد هذه الأيام نبرة العنصرية في مجتمعنا بسبب إجراءات الحكومة بشأن التجنيس، وهي نبرة تجاوزت مسألة تطبيق القانون إلى الدخول في مناطق حرمها الدين والشرع بالتعرض للأصول والجذور والدول الشقيقة، ونتذكر هنا الموقف ذاته إبان مواجهة السلطات المحلية لوباء كورونا الذي طال تجمعات الجاليات في مناطق محددة ورغبة بعض الأصوات لتعديل التركيبة السكانية آنذاك رغم أن المتسبب فيها هو نظام الكفيل وتجارة الإقامات.
تختلف أسباب العنصرية بحسب طبيعة المجتمعات، إلا أن العامل الرئيس هو الخوف من اقتسام فرص العمل أو المزاحمة على الخدمات أو التمتع بميزة غياب الأنظمة الضريبية، والكويت ليست استثناء فقد كان الانتقال بسرعة من مجتمع اقتصادي إنتاجي بدائي إلى مجتمع ريعي يعتمد على النفط بشكل شبه تام سبباً في الرغبة بالتمتع التام بالثروة وبدون مزاحمة غير المواطن إلا بالشكل الذي تُسَيّر فيه جهود التنمية والبناء.
وفي مسألة التجنيس، وأيضاً دائماً، يثار موضوع الضغط على موازنة الدولة لتقديم كل الخدمات والدعوم بشكل مجاني، فحين يتم سحب الجنسية من أعداد كبيرة يُفسر ذلك على أنه تخفيف أعباء مادية، ويتزامن ذلك مع بروز أصوات البعض حول «العرق»، «الأصول»، «دولة القدوم»، وفي المجتمع الريعي يبدو كل ذلك متسقا ومنطقيا طالما لا يوجد نظام ضريبي ولا أعمال وظيفية إنتاجية حقيقية كما هي الحال في المجتمعات الصناعية، بل حتى التوجه لتجنيس المميزين في تخصصاتهم يخبو ولا تجد له صوتاً مسانداً!
لكن أين موقع الهوية الوطنية الحقيقي من كل هذا، ومن كل ما حدث في الكويت عبر عقود مضت؟ كيف استثمرنا التعليم في بناء تلك الهوية؟ وكيف تمت أعمال إنفاذ القوانين بشكل مستمر ودون خروقات أو تعطيل؟ وكيف عالجنا قضايا مفصلية مثل أحداث سوق المناخ والغزو العراقي وتعطيل دور المرأة السياسي لسنوات دون مبرر، وعدم حل مشكلة «البدون» والسكوت عن أسوأ الممارسات السياسية بين الحكومة والبرلمان في ما مضى من وقت؟!
ليت موضوع الهوية الوطنية انحصر في وثيقة الجنسية لكان ذلك أمراً هيناً، فما طفح من أصوات بغيضة وعنصرية توجهت إلى أعراض الناس وجذورهم اليوم في ظل ضعف تطبيق قانون الوحدة الوطنية هو المهدد للوطن اجتماعياً.
الهوية الوطنية تُبنى عبر بناء اقتصاد إنتاجي حقيقي تتاح للجميع الفرص ذاتها للإبداع فيه، وتجذير المساواة أمام القانون، وتسخير التعليم للنهضة بالهوية وتقويتها.