تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحديات متزايدة نتيجة للتغيرات المناخية التي باتت تمثّل تهديداً حقيقياً للأمن الاقتصادي والاجتماعي والغذائي لملايين البشر، حيث تؤدي الظواهر المناخية المتطرفة كارتفاع درجات الحرارة، والتصحر، وندرة الموارد المائية، وارتفاع مستوى سطح البحر إلى تأثيرات سلبية مباشرة على القطاعات الاقتصادية الرئيسة في الدول المعنية.

فوفقاً لتقارير الجهات الدولية المختصة، مثل البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، قد تتعرض الدول العربية نتيجة التغيّر المناخي الحاد لخسائر تتجاوز 13% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2050، مما يعكس حجم التحديات التي تواجهها هذه المنطقة التي تعتمد في جزء كبير من اقتصادها على الأنشطة الزراعية والنفطية والخدمات.

Ad

التأثيرات المناخية المباشرة على الاقتصاد ومستويات الفقر

يؤثر التغير المناخي بشكل مباشر في الاقتصاد العربي من خلال عدة أوجه، فارتفاع درجات الحرارة مثلاً يجعل المنطقة أكثر عرضة للجفاف وتراجع المحاصيل الزراعية، وهو ما يمثل خطراً كبيراً على الأمن الغذائي، خصوصا أن العديد من الدول العربية تعتمد على الواردات الغذائية لسد احتياجات سكانها، وفي السياق تشير دراسة نشرها المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية إلى أن المحاصيل الزراعية قد تتراجع بنسبة تصل إلى 25% بحلول عام 2050 في بعض المناطق العربية، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وزيادة معاناة الأسر ذات الدخل المحدود.

من جانب آخر، فإن تزايد حدة الظواهر المناخية كالأعاصير البحرية والعواصف الترابية يشكل ضغطاً كبيراً على البنية التحتية للدول العربية، إذ إن تدمير الطرق وشبكات الكهرباء ومرافق المياه من شأنه أن يضعف القدرة على توفير الخدمات الأساسية ويكلف الحكومات مبالغ كبيرة لإعادة الإعمار، فعلى سبيل المثال تسببت فيضانات عام 2020 في السودان بأضرار كبيرة في المرافق الأساسية وتضرر مئات الآلاف من الناس، مما أضعف الاقتصاد المحلي.

لا يتوقف التدهور البيئي الناجم عن التغير المناخي عند تأثيره على الناتج الاقتصادي، بل يمتد إلى مضاعفة معدلات الفقر والبطالة، إذ إن ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض الإنتاج الزراعي مثلاً يؤديان إلى تقليل فرص العمل في هذا القطاع مما يؤثر على آلاف العائلات التي تعتمد على الزراعة كمصدر رئيس للدخل، وكذلك الأمر في مجال الصيد البحري، حيث تؤدي التغيرات في درجات حرارة البحار والمحيطات إلى تقليص الموارد السمكية، مما يؤثر سلباً في حجم الإنتاج ويزيد مستويات البطالة في المناطق الساحلية التي تعتمد قي معيشتها على الصيد.

وتشير التقديرات المتخصصة الى أن عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع قد يرتفع في الدول العربية نتيجة التغير المناخي والتدهور البيئي إلى 55 مليون شخص بحلول عام 2030 إذا لم تتخذ الحكومات تدابير فعالة وقائياً ومعالجة.

الأمن المائي في مواجهة الجفاف

لا شك أن ندرة المياه هي أحد أكبر التحديات التي تواجه المنطقة العربية، حيث يُعد الشرق الأوسط من أكثر المناطق التي تعاني شح المياه، ووفقاً لتقرير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) لعام 2022، فإن تحسين كفاءة استخدام المياه يعتبر من الحلول الأساسية لمواجهة أزمة الجفاف، وقد أثبتت التجربة الأردنية أن استخدام تقنيات ري متطورة يمكن أن يعزز الإنتاجية الزراعية بنسبة تصل إلى 20%، وفي المقابل فإن سوء إدارة الموارد المائية يزيد حتماً التحديات التي تواجهها المنطقة، مما يستدعي تبني سياسات شاملة لإدارة المياه تتضمن تقنيات حديثة وفعّالة، حيث يمكن تطوير أساليب تحلية المياه في دول الخليج والتخفيف من تكلفتها لتلبية الاحتياجات المتزايدة، في حين يمكن تطبيق تقنيات إعادة تدوير المياه وبناء السدود على أسس علمية في دول أخرى كلبنان والأردن.

فرص التحول إلى الاقتصاد الأخضر

وعلى الرغم من التحديات فإن التغيرات المناخية توفر فرصاً للدول العربية لتطوير اقتصاد مستدام من خلال التركيز على الطاقات المتجددة، إذ يشير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن الاستثمار في الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، يمكن أن يسهم في خلق 1.3 مليون وظيفة جديدة في الدول العربية بحلول عام 2030.

وفي السياق تركز كل من دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية على الاستثمار في الطاقة الشمسية بإنتاجية أكثر وتكاليف أقل، حيث تصل تكلفة إنتاج ميغاوات واحد من الطاقة الشمسية إلى مستوى منافس لتكاليف الوقود الأحفوري.

إن التحول إلى الاقتصاد الأخضر لا يقتصر فقط على الطاقات المتجددة، بل يشمل أيضاً فرص تطوير قطاع السياحة البيئية، الذي من شأنه جذب أعداد متزايدة من السياح المهتمين بالطبيعة والبيئة، وهذا ما يعتبر مناسباً لكل من الأردن ولبنان والمغرب التي بدأت فعلياً بتطوير مشاريع سياحية تعتمد على التوازن البيئي، مما قد يكون له دور في تحسين الاقتصاد المحلي مع المحافظة على البيئة.

أهمية السياسات الحكومية في التصدي للتغير المناخي

تؤدي السياسات الحكومية دوراً محورياً في التصدي للتغير المناخي، حيث إن اتخاذ خطوات ملموسة لتقليل الانبعاثات الكربونية وإدارة الموارد الطبيعية بشكل أكثر كفاءة يمكن أن يسهم في تقليل الآثار السلبية للتغيرات المناخية، فعلى سبيل المثال، يمكن للحكومات تقديم حوافز مالية للاستثمارات الخضراء، وتشجيع القطاع الخاص على تبني مشاريع الطاقة المتجددة، وتحديث معايير البناء ليصبح أكثر مقاومة للتغيرات المناخية.

وقد أظهرت تجارب دول متقدمة مثل السويد وألمانيا أن الاستثمار في الاقتصاد الأخضر ليس خيارًا بيئيًا فقط، بل هو أيضاً خيار اقتصادي ناجح، حيث إن التوجه نحو المشاريع البيئية يسهم في خلق فرص عمل جديدة، ويقلل كلفة الاستيراد من الوقود الأحفوري، مما يعزز التنمية المستدامة.

ونخلص للقول إن مواجهة التحديات الاقتصادية الناجمة عن التغير المناخي تتطلب تحركاً مستداماً وشاملاً من الدول العربية، لأن هذه التحديات لا تتعلق بتقلبات المناخ فقط، بل تؤثر مباشرة على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للدول، فالاستثمار في حلول مبتكرة ومستدامة، مثل الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة استخدام المياه، وتطوير سياسات اقتصادية خضراء، تساعد حتماً في تعزيز مقاومة الاقتصادات العربية للتقلبات المناخية ويساهم في تحسين جودة حياة المواطنين، وتعزز استقرار المجتمعات في ظل بيئة عالمية تتسم بالتغير المستمر.

* كاتب ومستشار قانوني