بوصلة: مؤسسة بحرية عريقة
الكويت منذ تأسيسها قديما عُرفت بتاريخها البحري الذي وثقته أقلام الرحالة العرب والأجانب في مذكراتهم وخرائطهم التي وصفت الكويت كميناء منذ قرون، وقد سجل المؤرخون وقباطنة البحار الأجانب إشاداتهم بهذا النشاط البحري ومتانة صناعة السفن الكويتية وكثرتها، فهذا كنبهاوزن المقيم المسؤول لشركة الهند الشرقية الهولندية في عام 1756م يذكر: «أن الكويت في تلك الفترة المبكرة كانت تمتلك 300 سفينة يعمل عليها 4000 رجل في صيد اللؤلؤ بخلاف سفن صيد الأسماك وسفن التجارة، وأن الكويت قوة بحرية نامية»، أما الرحالة الألماني كارستن نيبور، فقد وصف الكويت في حديثه عن رحلاته إلى الخليج وشبه الجزيرة العربية بين عامي 1764- 1765 بأنها «مزدهرة وأن أبناءها أصبحوا يمتلكون أكثر من 800 سفينة».
واستمر وصفهم لإنجازات المجتمع البحري الكويتي حتى منتصف القرن الماضي عندما بدأت الكويت بتأسيس دوائرها الحديثة لمواكبة التطور العمراني بعد اكتشاف النفط، وما صاحبه من زيادة مطردة في عدد السكان، ومن تطورات سياسية واقتصادية، وأدى تقدم وسائل النقل البحري من السفن الخشبية الشراعية إلى لنجات بمحركات بخارية سريعة، إلى وجود حاجة ملحة لإنشاء إدارة أمنية تتكفل بمراقبة حركة السفن في المياه الكويتية لتأمين التجارة، ورصد عمليات التهريب والتسلل والقرصنة، لذا قامت دائرة الأمن العام بإنشاء قوة خفر السواحل في عام 1954 التي تُعد امتداداً للشرطة البحرية التي تأسست سنة 1938 كجزء من دائرة الشرطة التي كانت تنقسم إلى قسمين: شرطة برية لحراسة مدينة الكويت داخل السور، وشرطة بحرية لحراسة سواحل الكويت كان يقودها القطامي والعجران والدواس والخنة رحمهم الله.
التحق بعدها بقوة خفر السواحل رجال البحر والنواخذة المدنيون الذين ساهموا بشكل فعال في نقل خبراتهم البحرية إلى الإدارة بعد أن قامت دائرة الشرطة والأمن العام بتأهيلهم عسكرياً تمهيداً لتسلم مهامهم الأمنية تحت إشراف الضباط القياديين الذين تولوا مسؤولية تطوير هذه الإدارة على مدى السبعين عاماً الماضية من أمثال العميد عثمان الأيوبي، والعقيد داود العنبر، والفريق أول يوسف بدر الخرافي، والمقدم عبدالمحسن الشخص، واللواء حبيب الميل، والعميد سلمان عبدالرحيم، واللواء فهد السعيد، والفريق أول غازي العمر، والعميد ساجد البعيجان، والعميد عبدالله أبا الخيل، واللواء جاسم الفيلكاوي، واللواء عماد الحوطي، واللواء عبدالله بن ناجي، وغيرهم من القياديين الذين تعاقبوا على تولي مسؤولية الإدارة وصولاً إلى مديرها الحالي العميد مبارك الصباح.
أما النواخذة الذين كان لهم دور فعال بجانب القياديين من الضباط في تأسيس قوة خفر السواحل والذين عُرف عنهم الإخلاص والتفاني في العمل والجودة في أداء المهام البحرية الموكلة إليهم والخبرة الملاحية الواسعة التي اكتسبوها أثناء عملهم في السفن الشراعية، والاستعداد الذي أظهروه لدمج خبراتهم في أعمال الإدارة من خلال المساهمة الفعالة بالعملية التدريبية، أذكر منهم: إبراهيم عبدالله، وكاسب الفرس، وأحمد بن صالح، وعبدالله بوقماز، وغيث بوغيث، وعبدالستار الرومي، وعلي العبيدان، ومساعد الفقعان، وحسين بوشهري، وأحمد الشرهان، وغيرهم من جيل النواخذة المؤسسين لقوة خفر السواحل، والذين اُستعين ببعضهم للقيام بالتدريب العملي في الدورة الخاصة بقادة الزوارق التي قامت بإعدادها إدارة خفر السواحل في بداية الثمانينيات لمنتسبيها من أفراد وضباط والتي تخرج منها معظم المدربين الحاليين حتى أصبحت هذه الدورة تستقبل أفرادا من الكويت ومن كل دولنا الخليجية.
كما لا ننسى مساهمة المهندسين والفنيين المدنيين العاملين بالورشة التي كان يترأسها آنذاك المهندس محمود قبازرد، الذين ساهموا في تطوير أسطول خفر السواحل، الذي بدأ بثلاثة لنجات خشب في الخمسينيات وعدد قليل من رجال البحر والضباط وتطورت خلال السبعين عاماً الماضية، فأصبحت إدارة عامة تملك عدداً كبيراً من السفن الحديثة، وقاعدة بحرية ضخمة، وأفضل منظومة رادارية في الشرق الأوسط لرصد التحركات المشبوهة في المياه الكويتية من تسلل وتهريب مخدرات وقرصنة وتعدٍّ على الحدود ومراقبة المنشآت الحيوية وتثبيت مواقع البويات والإشارات البحرية التي ساهمت في تحديد النقاط الحدودية البحرية الشمالية والشرقية والجنوبية مع الدول المجاورة، والقيام بعمليات الإنقاذ البحري وغيرها من المهام التي تضمن سلامة الحركة الملاحية في المياه الكويتية، فهي تختص في تنفيذ إجراءات أمن وحماية الحدود البحرية لدولة الكويت عن طريق منع الدخول غير المشروع للقطع البحرية والأشخاص إلى البلاد عن طريق البحر، بالإضافة إلى حماية المنشآت الحيوية البحرية والقيام بأعمال البحث والإنقاذ وإحكام السيطرة الأمنية على المناطق البحرية والسواحل والجزر.
هذا التطور الهائل جاء نتيجة للدعم المتواصل من القيادة السياسية، وخبرة النواخذة، والتخطيط المتواصل للضباط المتعاقبين على قيادة الإدارة العامة لخفر السواحل، فتاريخ الإدارة يشكل جزءاً مهماً من التاريخ البحري الكويتي وامتداداً طبيعياً له، كونها مثلت إحدى نقاط التحول لأهل البحر من تجارة النقل البحري والسفر الشراعي والغوص وصناعة السفن الخشبية إلى أمن السواحل والمياه الإقليمية الكويتية، فاستقطاب أصحاب المهن البحرية وضمهم تحت مظلتها، والتدريب والتأهيل المستمر لمنتسبيها، والدعم اللامحدود من قياداتها منذ بدء مسيرتها قبل 70 عام، جعل من الإدارة العامة لخفر السواحل مؤسسةً بحريةً عريقة.