إن استمرار معضلة التضخم المؤثرة على معيشة الأفراد منذ مدة طويلة يجعلها موضوعا قائما ويستحق التكرار مرة تلو الأخرى. لذلك تأتي هذه المقالة للرد على ما جاء في بيان «المركزي» الأخير، وتحديدا جزئية أن البنك «تمكن من احتواء التضخم» متناولين في خضم هذا الرد تقييما شاملا لمجموعة من السياسات المتعلقة بأسس اتخاذ قرار سعر الفائدة، وسياسة سعر الصرف، وسياسة التواصل الإعلامي. أما أهمية المقالة فهي أنها تقيم سياسات جهة حكومية تعد الأكثر تأثيرا على مسار الاقتصاد المحلي، وبالتالي معيشة المواطن والمقيم.
بداية، إن الإشكالية الكبرى فيما يخص التضخم هي في أن المركزي يستند في قراءته لهذا المؤشر «أسعار المستهلكين» إلى بيانات تعاني من ملاحظات عديدة، علاوة على تحيزه في قراءة هذا المؤشر وفقا لمقارنات غير موضوعية، أما مؤشر التضخم فأولا: غير معلوم ما هو الأساس الذي تم بناء عليه تقدير الأوزان لكل مجموعة من مجموعات المؤشر؟ ثانيا: الأوزان المخصصة لبعض المجموعات لا تتسق مع أهميتها المعيشية. ثالثا: ليس هنالك تفصيل واضح عن مكونات أهم مجموعة «مجموعة السكن» استحوذت على وزن عال يؤثر جدا في دقة حجم التغير في أسعار المستهلك القياسي العام؟ علما أنه عند استبعاد مجموعة السكن فإن التضخم يقفز إلى مستوى 3.3 بحسب بيانات الإدارة المركزية للإحصاء لشهر أكتوبر الماضي. رابعا: هذا المؤشر يعتمد على سنة أساس قديمة تعود لعام 2013، بينما الطبيعي والأدق أن يتم تحديثه خلال فترة من 5-10 سنوات بحد أقصى. وبناء على ذلك فإن أحد أهم الأسس التي ينظر لها المركزي لأخذ قرار رفع أو تثبيت أو خفض أسعار الفائدة يبدو جليا أنه لا يعكس الأسعار الحقيقية للسلع والخدمات. أما فيما يخص المبالغة في اعتبار هذا المعدل متدنيا، هل يجهل المركزي معدلات التضخم في دول المنطقة والعالم قبل وبعد التشدد النقدي؟ لماذا لا يضع مقارنات مع تلك الدول كما كان يفعل في السابق؟ الأهم هو ما دام أن «المركزي» نجح في احتواء التضخم، إذن لماذا لم يجار الفدرالي في سياسة الخفض؟ بل وذهب أبعد من ذلك بالاستمرار في إصدار سندات تعد تشددا نقديا إضافيا إذا ما أخذت في السياق العام.
وبشأن سياسة سعر الصرف، مازلنا نعتقد كما أشرنا في مقالة سابقة إلى أنها غير مبررة فنيا، فلم تقدم لنا أي إضافة ملموسة بل بالعكس يبدو من خلال الأرقام أن سياسة الربط مع الدولار هي الأنسب لاقتصاديات المنطقة أخذا بالاعتبار طبيعة مكونات هذه الاقتصاديات. فما هي المخاطر التي جنبتنا إياها هذه السياسة، أو ما هي المكاسب التي حققتها لنا هذه السياسة وبالمقابل خسرتها أو تعرضت لها دول الخليج المتفقة جميعها على سياسة الربط مع الدولار؟ هل أحدثت سياسة Basket of currencies أثرا ايجابيا فيما يتعلق بالعملة المحلية أو حجم الاستثمارت الأجنبية أو الاقتصاد بشكل عام؟
أما فيما يخص السياسة الإعلامية، يبدو أن «المركزي» يعتبرها أمرا ثانويا ولذلك يستمر في ممارسة سياسة الصمت تاركا للجميع التفسير والتحليل بحسب زاويته ونظرته الخاصة في غياب واضح للدور الإعلامي الذي يعد إحدى الأدوات الحديثة لدى البنوك المركزية، حيث يستخدم في تعزيز ثقة المستثمرين والأسواق وتجنب ردود الأفعال المبالغ فيها أو الهلع Panic الذي قد يحدث عند حالات الغموض وغياب التواصل. المثير للانتباه أن المركزي ترك الجميع في حيرة بشأن سياساته النقدية القادمة وهذا سلوك مخالف تماما لسلوكيات البنوك المركزية العالمية ومن أهمها الفدرالي، والذي تذهب اليه اعتياديا قيادات من قبل المركزي للاستفادة من خبراته وبالتالي يفترض بها تطبيق تلك الخبرات التي اكتسبتها محليا.
باختصار، نعتقد أن المسؤولية الأكبر تقع على مجلس إدارة البنك المركزي، لذلك واجب عليه إعادة النظر بشكل جدي في سياسات البنك، بحيث تتم مراجعتها وتوجيهها بشكل علمي وفعال لمواكبة المتغيرات الاقتصادية في المنطقة والعالم، وبما يخدم مستهدفات الاقتصاد المحلي وما ينسجم مع رؤية الدولة.
* أستاذ التمويل ومحاضر سابق في جامعة بورتسموث – المملكة المتحدة
Soud.almutairi@port.ac.uk