منذ أن أكد سمو أمير البلاد بنطقه السامي محذراً: «لقد ثبت للجميع مدى الضرر الفادح الجسيم الذي لحق بالهوية الوطنية من خلال العبث بالجنسية الكويتية ونرى لما تمثله الهوية الوطنية من بقاء وجود وقضية حكم ومصير بلد فإن الاعتداء عليها هو اعتداء على كيان الدولة ومقوماتها الأساسية ولا يمكن السكوت عنه...»، استنفرت أجهزة الدولة لتنفيذ هذه الرغبة السامية للقضاء على التزوير والتلاعب بملف الجنسية، وسلطت سيفاً قوامه الحق وتطبيق القانون، وبدأت سحب الجناسي المخالفة دون هوادة، وذلك لعظم الجريمة وفداحة عواقبها على الأمن الوطني والاجتماعي وعلى المال العام.
ولعل كل ما يضاهي هذه الجريمة يستحق سيفاً مماثلاً لبتره، ويستغرب البعض من أن جرائم التعليم كالموجودة في بعض المؤسسات، من غش بالاختبارات وتزوير للشهادات وسرقة للأبحاث والكتب والاستحواذ على المناصب، توازي جرائم الجنسية في جسامتها وفداحة عواقبها وأعداد الآلاف من مرتكبيها، فعوار التعليم كعوار الجنسية ينتج لنا شعباً مغشوشاً بمواطنته مزيفاً بثوابته، مزوراً ينتهك القانون فيهدد الأمن الوطني، وسارقاً للمال العام يهدد أمننا المؤسسي والاجتماعي، ومستحوذاً على صنع القرار فينخر دوائرنا الحكومية لتنهار أجهزتها وأهمها المؤسسات التعليمية، فلا دولة بلا تعليم.
فعلى مدى عقد من الزمن كنا ما بين شد وجذب مع الحكومة وما بين قبول ورد لمقترحاتنا وإقرار لقوانيننا، إلا أنها استجابت مشكورة مؤخراً، وأزاحت مسؤولين، وصححت المسار بتعيينها لوزير التعليم العالي والبحث العلمي الحالي الذي أثمرت جهوده تكليف مدير جديد للجامعة الذي كلف بدوره أميناً عاماً وأزاح السابق، كما نجحت الحكومة ولأول مرة في اختيار تربوي متخصص، ليس دكتوراً جامعياً، ليكون وزيراً للتربية فاستطاع شل مواطن الخلل لفترة بتدوير المناصب الإدارية، ليبدأ مسار الإصلاح الذي علينا إعطاء المسؤولين فيه الفرصة الكافية لإعادة الهيكلة نظراً لثقل التركة وجذورها الضاربة بالفساد!
وبالرغم من هذا الإنجاز للحكومة فإنها غفلت عن مؤسسة أكاديمية أخرى ما زال ينخرها الفساد كنا قد طالبنا بإقالة إدارتها لاستمرارها حتى مؤخراً في تمرير ترقيات مخالفة للقوانين واللوائح، والتواطؤ لاعتماد النشر بمجلات علمية مشبوهة، واعتماد أبحاث مسروقة، إضافة إلى التمادي في الطعن بإجراءات العمل الأكاديمي والعلمي، والتعاون مع جامعات وهمية، وتسهيل الاستيلاء على المال العام، ناهيك عن التلاعب بالمستحقات المالية وبالشعب الدراسية التي يتفشى فيها الغش والمحسوبية! ليس هذا فحسب، بل تزايدت مخالفاتها لحد إعاقة عمل الجهات الرقابية التي تفاقم رصدها للمخالفات، وانتهزت المرافق الحكومية للتكسب المالي والتلاعب بالعقود والمناقصات، واستغلت السلطة لتنفيع البعض والتغاضي عن الانحلال الأخلاقي من جانب والطعن بأخلاقيات المهنة للحد الذي يصل إلى ترقية المخالفين والمدانين بالسرقات العلمية!
لم يكن على سبيل الدعابة، كما اعتقد البعض، حين طالبنا رئيس الوزراء منذ ستة أشهر، في تغريدة، بأن يسلفنا النائب الأول وزير الداخلية وزير الدفاع ليزيل فساد التعليم، وهو من نفكر صراحة باللجوء إليه الآن، وخصوصاً حين تتوفر لدينا المستندات الدالة على الجريمة والتجاوزات في إحدى المؤسسات التي قامت فيها الإدارة بانتهاك عرض التعليم!
***
إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي.