تعهّد الرئيس السوري بشار الأسد، أمس، بدحر الهجوم المباغت الذي شنته «هيئة تحرير الشام» الإسلامية المتشددة «جبهة النصرة سابقاً» بالتحالف مع فصائل موالية لتركيا، الذي تمكنت خلاله من السيطرة الكاملة على محافظتي حلب وإدلب لأول مرة منذ اندلاع الصراع في 2011، بالإضافة الى قرى في محافظة حماة، في وقت وقع صدام كان متوقعاً بين الفصائل المهاجمة وقوات «سورية الديموقراطية الكردية» (قسد) المدعومة من واشنطن للمرة الأولى.
وشدد الأسد، خلال اتصال دعم تلقاه من رئيس جمهورية أبخازيا غير المعترف بها دولياً على أن «الإرهاب لا يفهم إلا لغة القوة وهي اللغة التي سنكسره ونقضي عليه بها أياً كان داعموه ورعاته»، لافتاً إلى أن «الإرهابيين لا يمثلون لا شعباً ولا مؤسسات يمثلون فقط الأجهزة التي تشغلهم وتدعمهم».
وفي وقت سابق، أكد الأسد أن «سورية مستمرة في الدفاع عن استقرارها ووحدة أراضيها في وجه كل الإرهابيين وداعميهم، وقادرة بمساعدة حلفائها وأصدقائها على دحرهم والقضاء عليهم مهما اشتدت هجماتهم الإرهابية».
إلى ذلك، أعلنت وزارة الدفاع السورية أن وحدات الجيش العاملة في منطقة حماة أقدمت على «تعزيز خطوطها الدفاعية بمختلف الوسائط النارية والعناصر والعتاد، وتصدت للتنظيمات الإرهابية ومنعتها من تحقيق أي خرق»، مؤكدة أنها استعادت السيطرة على عدد من البلدات التي اجتاحتها الفصائل.
وقالت القيادة العامة للقوات المسلحة، في بيان، إنه سيتم قريباً الانتقال إلى الهجوم المضاد لاستعادة جميع المناطق وتحريرها.
وأفاد مدير المرصد السوري رامي عبدالرحمن بأن «الجيش أعاد ترتيب مواقعه وتثبيت نقاط جديدة على أطراف مدينة حماة ونشر قوات من الفرقة النخبة 25 المدربة على يد الروس داخلها، وأرسل تعزيزات كبيرة إلى بلدات استراتيجية لمنع أي محاولة تسلل أو دخول محتمل من هيئة تحرير الشام والفصائل المعارضة»، التي سيطرت السبت على بلدات استراتيجية في ريف المحافظة الشمالي.
وأوضح المرصد أن الجيش تمكن من رسم قوس وإنشاء دفاعات حصينة عن حماة تمتد من أطرافها الشمالية إلى بلدة السقيلبية وأوقع هيئة تحرير الشام في كمائن، فيما شنت روسيا غارات على الريف الشمالي، مبيناً أنه منذ بدء الهجوم، قُتل أكثر من 330 بينهم 44 مدنياً ومئة مقاتل من الجيش والمجموعات الموالية له.
ولأول مرة منذ اندلاع النزاع الدامي، الذي أودى بأكثر من نصف مليون شخص وهجر الملايين بالداخل والخارج ودمر البنى التحتية والاقتصاد في سورية، أصبحت حلب، ثاني كبرى مدن سورية، خارج سيطرة الحكومة، مع سيطرة الفصائل على كل الأحياء، باستثناء الخاضعة لسيطرة «الوحدات الكردية» وقوات سورية الديمقراطية «قسد» المدعومة أميركياً، بحسب المرصد.
وأشار المرصد إلى أن «تحرير الشام لا تريد الدخول في قتال مباشر مع الأكراد وانسحبت من نبل والزهراء وتركتهما لهم، فيما الفصائل التي تقدمت في شمال حلب تحركت بأوامر مباشرة من تركيا تحت مسمى الجيش الوطني لقطع الإمداد عن القوات الكردية في ريف ومدينة حلب».
وبين أن «الفصائل الموالية لتركيا المدربة جيداً والقدرة على استخدام المسيرات اشتبكت لأول مرة مع الأكراد دون تدخل الهيئة وسيطرت على منطقة الشيخ نجار والمنطقة الصناعية لإغلاق الطريق أمام وصول إمدادات لهم من منبج.
وأكدت مصادر أمنية تركية، أن الجماعات الكردية، سعت لاستغلال انسحاب الجيش السوري من بعض المناطق، وعملت على تنفيذ خطة لإقامة ممر بين تل رفعت وشمال شرق سورية وقام «الجيش الوطني» بقطع الطريق الرابط بين الرقة وحلب.
وفي حين حذرت تركيا «قسد» من توسيع نفوذها في حلب أو أي مناطق أخرى، أعلنت الإدارة الذاتية الكردية استنفار مؤسساتها والتعبئة العامة، متهمة «الدولة التركية بشن الهجوم على الأراضي السورية».
وقالت الإدارة: «هجوم تركيا استكمال لمخطط فشلت في تحقيقه من خلال تنظيم داعش، وهدفه احتلال سورية وتقسيمها وتحويلها إلى بؤرة للإرهاب الدولي وتحقيق حدود الميثاق الملي الذي سعت مراراً لتنفيذه».
غارات روسية
وفي إدلب التي أعلنت الفصائل سيطرتها الكاملة عليها، نفذ سلاح الجو الروسي والسوري غارات مكثفة على هذه المدينة.
وأشار المرصد إلى أن «الطيران الروسي نفذ خمس غارات جوية متتالية على حي الجامعة بمدينة إدلب، وسلسلة ضربات أخرى استهدفت محيط مدن وبلدات مورك وخان شيخون وكفرنبل وحزارين وتل كوكبة بريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي».
وأعلن نائب رئيس المركز الروسي أوليغ إيغناسيوك العمل مع الجيش السوري لصد «العدوان المتطرف»، مؤكداً أنه «على مدار 24 ساعة تم تنفيذ ضربات بالصواريخ والقنابل على أماكن تمركز المسلحين ونقاط للمراقبة ومستودعات للذخيرة ومواقع للمدفعية، وجرى القضاء على ما لا يقل عن 300 منهم».
سياسياً، تلقى الرئيس السوري أمس الأول، اتصال دعم من رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الذي أكد «تضامنه مع سورية ودعمها».
وشدد بن زايد على «موقف الإمارات الداعم لجميع الجهود والمساعي المبذولة لإيجاد حل سلمي للأزمة السورية بما يحقق تطلعات شعبها إلى الاستقرار والتنمية ويضمن وحدتها وسيادتها على كامل أراضيها».
وقال أنور قرقاش، مستشار الرئيس الاماراتي أن الاتصال «يعكس نهجاً إماراتياً يرتكز على أولوية البُعد العربي في قضايا العرب والحفاظ على الدولة الوطنية باعتبارها ركناً أساسياً للخروج من الفوضى ورفض التطرف والتشدد بكل أشكاله»، مضيفاً أن «المسار السياسي وتغليب الحكمة يبقى السبيل الوحيد لمعالجة الأزمات».
من جانبه، أكد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ورئيس الوزراء العراقي محمد السوداني تضامنهما مع سورية ورفض كل ما يهدد أمنها واستقرارها وسلامة مواطنيها.
إلى ذلك، زار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أمس، دمشق والتقى الأسد، قبل أن يتوجه الى أنقرة. وقبل مغادرته طهران، شدد عراقجي على الدعم «الحازم» لسورية جيشاً وحكومة.
وبينما دعت فرنسا الأطراف المعنية إلى حماية السكان المدنيين في مدينة حلب، جدد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي شون سافيت نفي ضلوع واشنطن بهجوم الفصائل وأرجعه إلى «اعتماد سورية على روسيا وإيران، ورفضها المضي قدماً في عملية السلام».
في غضون ذلك، حذّر مبعوث الأمم المتحدة غير بيدرسن من أن القتال الدائر حالياً في هذا البلد «تترتب عليه عواقب وخيمة على السلام الإقليمي والدولي».
في هذه الأثناء، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يراقب التطورات في سورية عن كثب، مؤكداً «التصميم على الدفاع عن مصالح إسرائيل الحيوية والحفاظ على إنجازات الحرب».
وقال وزير الخارجية جدعون ساعر: «لا نريد أن ننحاز إلى أي طرف فلا يوجد جانب جيد هناك، مضيفاً: «نحن بحاجة إلى النظر إلى مصالح الأقلية الكردية ومعرفة ما هي رغباتها، وكيف يمكننا الاستفادة من الوضع لزيادة التعاون».