في الصميم: «... ما هكذا تكون الانتصارات»
الحقيقة انه لمنظر يدعو إلى الأسى والسخرية في آن، وهو خروج بعض مَن تبقى مما يسمى «حزب الله» يجوبون الشوارع بأعلامهم الصفراء رافعين علامات النصر، بعد أن تسببوا في تدمير الجنوب اللبناني كله بضاحيته الجنوبية، وفي نزوح مئات الآلاف عن منازلهم، تماماً كما فعلوا «الأفظع» في سورية.
ليكمل هذا الوضع المزري إعلانٌ لنعيم قاسم الأمين العام الجديد للحزب، الانتصار على إسرائيل، ووصفه «بالنصر الإلهي»، وبأنه أكبر من «نصر حسن نصرالله الإلهي» في سنة 2006، رغم أن حسن أعلن متراجعاً أنه لم يكن يتوقع وحشية إسرائيل رداً على تحرشه بها.
المشكلة في هذه النوعية من الزعماء أنهم من المستحيل أن يعترفوا بالهزيمة، فهم دائماً ما يحوّلونها إلى انتصار زائف طالما هم وميليشياتهم أحياء، رغم الخسائر الفادحة، ورغم سقوط آلاف الضحايا، ورغم احتلال الجنوب، وتدمير الحرث والضرع، إنها ثقافة يتوارثونها لا يمكن الفكاك منها.
ألم يكن من الحكمة، التي لم تتحلوا بها أبداً، الاعتراف بخطأ انجراركم إلى هذا الفخ المدمر؟ وألم يكن من الأجدر أن تسلموا سلاحكم وعتادكم الإيراني إلى الجيش الوطني بدلاً من تسليمه سليماً إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي أعلن لضخامته أنه سيشكل منه فرقة جديدة؟
تصريح نعيم قاسم بنصره الإلهي يذكرنا بتصريح سلفه حسن نصر الله، وحينها تساءلنا: «إذا كان هذا نصراً فكيف إذاً الهزيمة؟»، كان ذلك في 2/8/2006، وقلنا: ليس هذا وقتاً للجدال ولا المتاجرة بآلام اللبنانيين وتجيير عواطفهم لخدمة منافع حزبية، ولكننا، كعرب، نتساءل: أبعد تلك المذابح، ومنها مذبحة قانا، تتحدثون عن انتصار؟ أي انتصار هذا ولبنان الدولة والشعب يتعرضان يومياً لمجازر وتدمير وتهجير؟ هل أصبح انتصاراً لأن الحزب ضرب إسرائيل بصواريخ كاتيوشا، ولأنه لا يزال يمتلك سلاحه، ولأن أمينه العام لا يزال حياً يُرزَق؟
وتساءلنا وقتها: هل إهداء هذا الانتصار المزعوم إلى الشعب اللبناني يبرّئ ساحة الحزب من تلك الجريمة الشنعاء التي ارتكبها في حق لبنان؟ وهل أصبح لبنان بهذا الرخص؟ وهل الشعب اللبناني بهذه البلادة لكي تختصر كارثته بهذه البساطة؟ وهل يقبل الشعب اللبناني هذا الإهداء التعيس، وقد تحول لبنان إلى خرائب؟ كيف يقبل أهالي الضحايا والجرحى ومئات الآلاف من المشردين مغامرات هذا الحزب؟
وقلنا: ليس هذا وقت الانبهار ولا العواطف الجياشة، ولا وقت الخطب والشعارات، فالمواجهات العسكرية مع إسرائيل ليست نزهة ولا لعب أطفال، ورد فعل إسرائيل على تلك المغامرات أتى عنيفاً ومدمراً كما أرادت هي، وليس كما نشتهي.
وها هو التاريخ يعيد نفسه، وها هي الفرص تقدم مرة بعد أخرى لإسرائيل على أطباق من دم ونار، ولكن مع كل تلك المآسي لن يتوقف الحزب عن القتال إلا بأوامر من إيران، وإيران لن توقف الحرب ما دامت بعيدة عن أسوارها.
فلا يا نعيم، ما هكذا تكون الانتصارات.