محاورة مع قصيدة «يا ابن الثمانين» للجواهري
التجوال في معارض الكتب ليس كالتجول في أي مكان آخر، فأنت عندما تسير في مهرجان المعارف الإنسانية تشعر كأنك خارج محيطك، بل إنك مُحلِّقٌ في ملكوت العقائد والفكر والأدب والفلسفة والتاريخ والفنون والشعر... وما دمنا قد وصلنا إلى الشعر فقد شدني ديوان «جواهر الجواهري» في معرض الكتاب الدولي بالكويت، ووقفت طويلاً أمام قصيدة «يا ابن الثمانين»، وخطرت لي فكرة مناجاتها، وقد جاءت المناجاة على الشكل التالي:
***
- أنا ثمانيني فكيف - أيتها القصيدة - تترجمين بعض ملامح حياتي؟
يا «ابن الثمانين كم عولجت عن غصصٍ... بالمغريات فلم تشرق، ولم تَمِلِ... وكم هز دوحك مِن [قزمٍ] يطاولهُ... فلم ينلهُ، ولم تقصر، ولم يطُلِ... وكم سعت [امعاتٌ] أن يكون لها... ما ثار حولك من لغوٍ، ومن جدلِ».
***
- وما الحل - أيتها - القصيدة الجواهرية؟
«ثبت جنانك للبلوى فقد نصُبت... لك الكمائن من غدرٍ، ومن خَتلِ».
***
- فكيف أنجو من الكمائن والغدر؟
«فدع ضميرك يحذر من براءتهِ... ففي البراءات مدعاةٌ إلى الزللِ... لئن تخلصت من أنياب مهلكةٍ... فكم تلويت في إشراكِ مُحتبلِ».
***
- فهل من حلٍّ؟
«لا تنسى أنك من أشلاء مجتمعٍ... يدين بالحقد، والثارات، والدجلِ... يستنفر اليوم عن أمسٍ إلى غدهِ... على المذاهب، والأنساب والنحلِ... حربٌ على كل موهوبٍ وموهبةٍ... لديه مُسرجةِ الأضواء والشُّعلِ».
***
- فكيف لي أن أحتمل المزيد مما احتملت وإحساسي أن زمني ليس طويلاً في رحلتي إلى مواجهة ربي - جل وتبارك؟
«يا ابن الثمانين صبراً أنت صاحبهُ... فيما تضيق بهِ أضلاع مُحتملِ... لا تأسَ إن عضت البلوى بناجذةٍ... ما إن بها من عضاضِ الناس من كللِ... وقد تمرست بالدنيا تُمحصها... في كل مُستدبرٍ منها ومقتبلِ».
***
- أليس لي بعد أن تجاوزت الثمانين أن أفخر ببعض اجتهاداتي المتواضعة؟
«حسب الثمانين من فخرٍ ومن جذلٍ... غشيانها بجنانٍ يافعٍ خضلِ... وأنت يا ابن الثمانين استرحت بها... كما أظننت من لومٍ، ومن عذلِ... وكُن كعهدك - سحاراً - بمعجزةٍ... تحول الصاب مسموماً إلى عسلِ».
***
- أيتها القصيدة الثمانينية من المؤكد أن الجواهري قد صاغك بعد أن تجاوز الثمانين، فما الحكمة التي قالها فيك؟
«إن الحياة مُعاناةٌ وتضحية...
حُب السلامة فيها أرذل السُّبلِ... وللبطولات جولاتٌ وكم شهدت... سوح الوغى لحُماةِ الحرف من بطلِ... وثمْ من لعنة الأجيال جازية... تقتص من قولةٍ حق ولم تقُلِ... ويل الكذوبين من يومٍ يُسل بهِ... عهد المروءات في حلٍّ ومرتحلِ... ما أقرب الشوط من مرذولةٍ سفلٍ... وساكتين على مرذولةٍ سفلِ».
***
- أتمنى - أيتها القصيدة - ألا يكون لي بعد سن الثمانين خصوم، لكن كيف أتصرف معهم إن وُجدوا؟
«أجل يراعك في آجالهم مزقاً... فليس عندك بعد اليوم من أجلِ... واضرب بهم أسوأ الأمثال سائرةً... حتى تثلم فيهم مضرب المثلِ».
***
إذا لم تكن قد جربت محاورة قصيدة، فليتك تجرب، فستكتشف عندك موهبة المُناجاة الذاتية.