رغم التحصينات والغارات الجوية الروسية والسورية، شهدت محافظة حماة أعنف اشتباكات بين «هيئة تحرير الشام» الإسلامية والفصائل المتحالفة معها والجيش السوري، الذي تعرض لهجوم غير متوقع من الوحدات الكردية في محافظة دير الزور.
وأفاد المرصد السوري بأن هيئة تحرير الشام وحلفاؤها في عملية «ردع العدوان» تمكنوا من السيطرة على مدن وبلدات عدة بينها طيبة الإمام، وحلفايا، وصوران في ريف حماة الشمالي.
ووفق مدير المرصد، رامي عبدالرحمن، فإن الفصائل «بعد تأمين سيطرتها على مدينة حلب تسعى للتقدم في عمق سورية باتجاه مدينة حماة الاستراتيجية التي تربط حلب بدمشق»، مبيناً أن «الاقتراب منها يشكل تهديداً للحاضنة الشعبية لمركز الأقلية العلوية التي يتحدر منها الرئيس بشار الأسد في ريفها الغربي.
وفي وقت سابق، أعلنت «إدارة عمليات ردع العدوان» استهدافها، أمس الأول، تجمعاً كبيراً لضباط الجيش السوري في قمة جبل زين العابدين شمال حماة، وإصابة قائد القوات الخاصة والعمليات ضد المعارضة في إدلب، اللواء سهيل الحسن، المعرف بـ»النمر».
وجاءت الاشتباكات بعد إرسال الجيش السوري تعزيزات عسكرية إلى المناطق، ساهمت خلال اليومين الماضيين في إبطاء تقدم الفصائل، التي سيطرت كذلك على عشرات البلدات والقرى في محافظات حلب وإدلب وحماة.
وفي ريف حلب الجنوبي الشرقي، دارت ليل الاثنين- الثلاثاء «اشتباكات شرسة» بين الفصائل والجيش الذي تمكن من استعادة السيطرة على مدينة خناصر بعد خسارته لها قبل أيام.
المعارضة والأكراد
وفي تطور لافت، صدر بيان عن غرفة عملية «فجر الحرية»، التي تقودها الفصائل الموالية لتركيا ضد الوحدات الكردية قوات سورية الديموقراطية المدعومة أميركياً، أبرز الخلاف الكبير بينها وبين هيئة تحرير الشام. وبعد مطالبة «تحرير الشام» من قيادة «فجر الحرية» بإخلاء المواقع التي سيطرت عليها شمال حلب، اتهمتها فصائل «الجيش الوطني» بأسر عدد من جنودها، وممارسة سياسات التغلب والاستئثار، وقيامها بتحرير مناطق حررتها.
ودعت الفصائل «تحرير الشام» إلى «وقف عدوانها» فوراً على فصائل الجيش الوطني وغرفة فجر الحرية وإعادة مناطقها، وتوجيه البندقية لأعداء الثورة السورية، ودحر العصابات الانفصالية (الأكراد)، وميليشيات إيران والحكومة بدلاً من ممارسات السطو والاستحواذ»، محذرة من «السياسات التي تهدد وحدة الصف».
وفي خضم المعارك الضارية الجارية في شمال سورية، منذ يوم الأربعاء الماضي، بدأت قوات سورية الديموقراطية (قسد) أمس هجوماً على القرى السبع الواقعة تحت سيطرة الجيش السوري بريف دير الزور.
وذكرت وكالة «سانا» أن «الجيش والقوات الرديفة والأهالي يتصدون لهجوم إرهابيي مجلس دير الزور العسكري التابع لميليشيا (قسد) الانفصالية على القرى المحررة بمنطقة الجزيرة بريف دير الزور الشمالي».
وقال المرصد: «بعد أن أفرغت القوات الروسية مقراتها قبل أيام، دفعت (قسد) بتعزيزات عسكرية كبيرة، وبدأت الهجوم الهادف لانتزاع القرى السبع من قريتي الصالحية وخشام، وتمكنت (قسد) من السيطرة على قرية الحسينية».
وأضاف أن «المجموعات الموالية لإيران وحزب الله استهدفت بالقذائف الصاروخية القاعدة الأميركية في حقل كونيكو للغاز بريف دير الزور الشمالي، كما قصفت بالمدفعية من جبل المعامل قرى جديدة عكيدات».
وبيّن المرصد أن «هجوم قسد يهدف للسيطرة على مسافة 100 كم مربع تشمل السبع قرى، لإعادة قرابة 70 ألف نازح إلى المنطقة»، مشيراً إلى أنها تعتبر ذات أهمية استراتيجية لقربها من القاعدة الأميركية، وتشكل نقطة تماس مباشر مع المناطق الكردية. وأعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بات رايدر، أمس الأول، أنه لم تجر أي تعديلات على وضع القوات في شمال سورية، مشدداً على أنه سيتم «اتخاذ أي إجراء لحمايتها». وأشار رايدر إلى أن القوات الأميركية البالغ قوامها 900 جندي تتواجد بسورية لهزيمة تنظيم «داعش»، ولا يوجد أي قرب لها مما يحدث في شمال غرب سورية بالقرب من حلب وبالقرب من حماة»، غير أنه أكد «سنواصل مراقبة ذلك عن كثب».
وبعد ساعات من دخول مئات الموالين لإيران إلى سورية، دعت كتائب «حزب الله- العراق»، رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى إرسال جنود لدعم الرئيس بشار الأسد في مواجهة هجوم الفصائل المعارضة.
وقال المتحدث باسم حزب المنضوي مع فصائل أخرى بـ«محور المقاومة» بقيادة إيران، «لم نقرر بعد إرسال مجاهدينا للمساهمة في ردع هذه الجماعات المجرمة»، مضيفاً: «رأينا أن تبادر الحكومة إلى إرسال قوات عسكرية رسمية بالتفاهم مع الحكومة السورية، لما تمثله هذه الجماعات من تهديد على الأمن القومي العراقي والمنطقة».
وذكّر رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، ليل الاثنين- الثلاثاء بأن «الحشد لا يعمل خارج العراق ويأتمر بإمرة رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة». وفي اتصال مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قال السوداني أمس، إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سورية خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكونات والمذاهب هناك».
وفي أول تعليق له على الأحداث الجارية شمال سورية، اعتبر الرئيس التركي أمس، أن على دمشق الانخراط في عملية سياسية حقيقية، وليس التصعيد لمنع تدهور الوضع.
وأبلغ أردوغان رئيس الوزراء العراقي، أن أولوية تركيا هي حماية الهدوء على حدودها، مشدداً على أنه سيتخذ تدابير لمنع استغلال مسلحي حزب العمال الكردستاني للأحداث في سورية. وفي خطوة تؤكد أن التباين بين وزيري خارجية تركيا حقان فيدان، وإيران عباس عراقجي في مؤتمرهما الصحافي، أمس الأول، حول التطورات في سورية قد يتصاعد، وجّه علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد علي خامنئي للشؤون الدولية انتقاداً لاذعاً لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان. وقال: «كنّا نأمل أن يتمكن وزير خارجية تركيا، هاكان فيدان، وهو شخصية ذات خبرة في مجال الاستخبارات والسياسة الخارجية، من تصحيح بعض أخطاء السياسة الخارجية التركية، لكنّنا لم نتوقع أن تقع تركيا في الفخ الذي أعدّته لها أميركا والصهاينة»، وشدد على أنه «على أميركا، والصهاينة، والدول الإقليمية - سواء كانت عربية أو غير عربية - أن يعلموا أن إيران ستواصل دعمها المطلق للحكومة السورية حتى النهاية».
وكان هاكان رفض تأكيد عراقجي أن هجوم الفصائل المسلحة نتيجة تدخل خارجي أميركي ـ إسرائيلي، معتبراً أن ما جرى هو نتيجة عدم التوصل إلى حل سياسي للازمة وعلى دمشق الجلوس مع المعارضة للتفاوض.
ورغم الخلاف التركي الإيراني، كشف عراقجي أنه سيجتمع مع فيدان ونظيرهما الروسي سيرغي لافروف على هامش منتدى الدوحة يومي السبت والأحد المقبلين، في إطار عملية أستانة لمناقشة الملف السوري.
وفي اجتماع «منظمة التعاون الاقتصادي»، حذر عراقجي «من تحركات الجماعات التكفيرية في سورية»، مجدداً أنها « تعمل بدعم من أميركا وإسرائيل» وقال إن إيران ستدرس إرسال قوات إلى سورية في حال طلبت منها دمشق ذلك.
في هذه الأثناء، أعلن المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، أن العمل جار مع تركيا وشركاء آخرين في المنطقة لإيجاد حلول لإنهاء الأعمال القتالية الدائرة في سورية منذ أسبوع.
وفي وقت سابق، أعرب أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، خلال اتصال من الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، عن استعداده للعب دور في إعادة الهدوء إلى سورية، والتوصل إلى اتفاق سياسي يضمن الحفاظ على وحدة أراضيها.