تعددت التيارات والاتجاهات في الأدب العربي الحديث، حيث يُقال إن الواقعية تعني المعرفة العقلانية للحياة، أو هي طموح العقل الإنساني وتطلعه لاكتشاف حقيقة الحياة ومعرفة خفايا العالم، وإدراك قوانين تطور المجتمعات واتجاهاتها، والآلية التي يعيشها المجتمع الإنساني، فالواقعية التحليلية تعني الموضوعية وتصوير الحياة على ما هي عليه بواقعيتها بعيداً عن أي نوع من أنواع الخيال والتشويق والمجاز، وبذلك تكون الواقعية فيها موضوعية صارمة، تمنع تسرب أيّ عاطفة للكاتب، إنما تسلّط اهتمامها على حياة الشعوب والمجتمعات كما هي وبنظرة موضوعية بعيدة عن الانطباعات الذاتية، كما فعل العديد من الكتاب: نجيب محفوظ ويحيى حقي.
إن رواية أسرار عبدالله للكاتب التونسي الحبيب السالمي تمثل نقطة نضج واضحة في مسيرته الأدبية، حيث تنمّ عن تطور في أسلوبه السردي وعمق تجربته الروائية، وتتميز الرواية ببنية محكمة وتوظيف مميز للأدوات اللغوية، مما يعكس قدرة السالمي على صياغة سرد مشوق يتناول قضايا معقدة بطريقة واقعية،
يظهر السالمي مهارة فائقة في تصوير الشخصيات والمشاهد بتفاصيل حية تلامس
القارئ، ويستخدم الزمن والمكان بشكل يعزز من عمق الرواية.
ويتسم أسلوب السالمي بالبساطة والدقة، مع تجنب أي تعقيد لغوي أو تفاصيل غير ضرورية. هذا المنهج يجعل الرواية تركز على القضايا الرئيسية وتطور الشخصيات والعلاقات، مما يزيد جاذبيتها وإحكامها، فمن خلال هذه الرواية، يتناول الجوانب الإنسانية والاجتماعية بعمق، ويستعرض تأثير البيئة والتاريخ على الشخصيات.
ويعكس أسلوبه الواقعي في تقديم تفاصيل الحياة اليومية مهارته في التعبير عن العادات والتقاليد بطريقة دقيقة ومؤثرة. اختيار الكلمات بعناية ودقة في السرد يعكس قدرة الكاتب على إيصال الرسائل والأفكار بوضوح دون إفراط، مما يجعل الرواية إضافة نوعية إلى مسيرته الأدبية، تجسد الرواية بمهارتها السردية العالية وإلمامها بواقع الشخصيات والقضايا المطروحة مثالا لنضج الكاتب وعمق تجربته، حيث تنجح في طرح أسئلة فلسفية وأخلاقية تجعل القارئ يتأمل في الحياة والمجتمع.
*أستاذة مساعدة في كلية التربية الأساسية
قسم اللغة العربية وآدابها