أنجز الكاتبان المصريان محمد السيد عيد وأحمد فضل شبلول مشروعاً أدبياً مائزاً، انطلق من فكرة محاكمة الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على خلفية الحرب التي تشنها الدولة العبرية بدعم غربي واسع تقوده الولايات المتحدة ضد قطاع غزة منذ أكثر من عام، وهذه المحاكمة صدرت أخيرا في كتاب بعنوان «محاكمة بايدن ونتنياهو».
الكتاب الجديد عبارة عن مسرحية وثائقية برؤيتين مختلفتين، رؤية نثرية صاغها رئيس نادي القصة بالقاهرة، الكاتب والسيناريست محمد السيد عيد، ورؤية شعرية صاغها الشاعر والروائي أحمد فضل شبلول (رئيس فرع نادي القصة بالإسكندرية).
وتتحد كلتا الرؤيتين في محاكمة متخيّلة لكل من بايدن ونتنياهو، كل كاتب بلغته وأسلوبه، وإن كانت الخطوط الرئيسة واحدة في المسرحية التي تتماهى مع الوضع المأساوي الذي يتعرض له قطاع غزة في فلسطين المحتلة، والحرب عليه منذ اندلاع «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر 2023، وحتى الآن، وسقوط عشرات الآلاف من الشهداء والضحايا من أهل فلسطين في حرب غير متكافئة على الإطلاق.
تحويل النثر إلى شعر
كتب السيد عيد محاكمته المتخيلة أولاً، ثم نشرها في إحدى الصحف الكبرى التي تصدر بالقاهرة، فقرأها وانفعل بها الشاعر شبلول، وقرر تحويل هذا النص النثري إلى معادل شعري أو رؤية شعرية تنبض بالموسيقى والصور والأخيلة. وهو لم يُضف شخصيات أو أحداثا جديدة على مسرحية عيد، وإنما التزم بالشخصيات والأحداث والمواقف، ولكن بصياغة لغوية مغايرة لما قدمه عيد.
وصدرت المسرحية بشقيها أخيراً في كتاب واحد عن دار غراب للنشر والتوزيع بالقاهرة، واحتل النص النثري حوالي 30 صفحة، بينما تجاوز النص الشعري 70 صفحة.
الشيطان الأكبر
وجاءت المحاكمة من قبل الشيطان الأكبر، واسمه «الوسيم»، الذي لم يتخيل أنه نفسه من الممكن أن يقوم بمثل هذه الحرب والدمار وسفك الدماء والانتقام من جميع الفلسطينيين على أرضهم، سواء في قطاع غزة أو خارجه.
وفي أثناء المحاكمة يتنصل كل واحد من أن يكون هو سبب الحرب أو الداعي والداعم لها، وأخذ كل طرف يتهم غيره، فالرئيس بايدن يتهم وزير خارجيته أنتوني بلينكن بأنه المسؤول باعتباره وزير الخارجية، وهو الذي يسافر ويروح ويجيء ويتحدث مع كل الأطراف، بينما يلقي نتنياهو المسؤولية على كاهل وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت (الذي أقاله نتنياهو بعد ذلك) بأنه المسؤول المباشر عن القتل والدمار والخراب.
الجميع يعترف بأن هناك قتلاً ودماراً وخراباً ودماءً تسيل بغزارة في كل لحظة، لكنهم لا يعملون على إطفاء الحروب وحقن الدماء.
وتظهر شخصيات أخرى مساعدة في المسرحية لتخفيف حدة النيران المشتعلة، ومحاولة إيقاف الحرب والنزيف، مثل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريتش، والرئيس الأميركي الأسبق هاري ترومان (1884 - 1972)، والمهرِّج الذي يحاول أن يشيع جواً من السخرية والفكاهة والضحك وسط كل هذه الكآبة والعبوس والدمار.
وتتطلب عميلة تحويل نص نثريّ إلى نص شعريّ خبرة واسعة وتمكناً لغوياً ودراية موسيقية تستطيع أن تدير الحوار، وأن تصوغ العبارات التي تجيء على لسان الشخصيات، وهو ما نجح فيه الشاعر شبلول، وكمثال على ذلك، يقول السيد عيد في المشهد الأول:
جيل: (باكية) ما يحدث هذا كثير. إن له أياماً لا هو حي ولا هو ميت. لا يفيق إلا ليدخل في غيبوبة من جديد.
الطبيب: مدام بايدن، فعلنا كل ما بوسعنا. ليس أمامنا إلا انتظار رحمة الله.
جيل: هل يشعر بما هو فيه؟
الطبيب: لا أظن، إنه في ملكوت آخر.
جيل: يا إلهي، رحمتك.
أما الشاعر أحمد فضل شبلول فيقول في رؤيته الشعرية:
(تقف جيل تتحدث مع الطبيب المعالج)
جيل (باكية أمام الطبيب): أيامٌ في الغيبوية
لا حيٌّ هوَ أو ميّتْ
غيبوبة
تُسلمهُ لغيبوبة
لا نعرفُ شيئاً عنه
لا نعرفُ هل سيعودُ إلينا
أم يخطفُه مَلكُ الموتِ
ونحنُ نُجالسهُ الآن
كيف يموتُ رئيسٌ تهتزُّ له الأركان؟
الطبيب: الكلُّ يموتُ... ولا يبقى إلا الربُّ الإلهِ العظيم
جيل: كيف يموت؟
افعلْ شيئاً يا دكتور
أنقذْه من مِخلبِ موتٍ لا يرحم
أين الطبُّ وأين العلمُ وأين الرُّهْبان؟
الطبيب: نحنُ فعلنا كلَّ الأشياء
أجرينا الفحصَ
وحلَّلنا الدمَّ
كَشفْنا بالإشعاع الذريِّ
وجرَّبنا الوصْفاتِ الطبيَّة
وأتينا بالرهبانِ...
أتينا بقساوسةِ كنائِسنا
أشعلنا الشمعَ كثيراً
وقرأنا في الإنجيلِ طويلاً
أسمعناهُ الموسيقى علَّ الروحَ تعود
أو حتى تخرجَ بهدوءٍ قبل صعود
ننتظرُ الآنَ نتائجَ ما نفعل
الأملُ كبيرٌ في الربِّ
أن يرحمَه مِنْ كلِّ عذابٍ أو ذنب
سيَّدتي...
لا نعرفُ ماذا نفعلُ أكثرَ من هذا؟
جيل: هل هوَ يشعرُ...
هلْ هوَ واعٍ
هلْ هوَ ساهٍ
هلْ هوَ لاهٍ
هلْ هوَ مُدرِك؟
هلْ يتحرَّك؟
أمْ ذهبَ الوعيُ وذهبَ الذهنُ
وذهب الفكرُ إلى لا رجعةْ
أصبح مشلولاً وقعيداً كالسلعة
في سوقٍ بائرةٍ
أم هي خُدعة؟
غلاف الكتاب
مواطن من غزة يجلس على أطلال بيته الذي دمرته الحرب