عاطفتك الجياشة تجاه ابنك، أو ما يُعرف بـ«انحياز الرغبة»، قد تجعلك ترى فقط ما يُسرك ويعزز مشاعرك، فيحجب عنك جوانب أخرى قد تكون بحاجة إلى التدقيق. الأمر ذاته ينطبق عندما تكون متعاطفاً مع قضية سياسية أو مجتمعية، حيث تجد نفسك، بوعي أو دون وعي، محصوراً في متابعة ما يؤيد هذه القضية ويعزز قناعاتك، في عملية يُطلق عليها «الانحياز الانتقائي». جميعنا نقع في هذا الفخ المزدوج للانحيازين، إلا أن بعضنا يسعى لتجنب تأثيرهما السلبي عبر وضع مصدات تحميه من غلبة العاطفة على التفكير الموضوعي، وخاصة عندما تكون القرارات مؤثرة في مستقبل الاقتصاد والتنمية.

انحياز الرغبة قد يفقدنا توازن قناعاتنا، فنرى الإيجابيات فقط ونتجاهل السلبيات الواضحة، أو العكس. وفي كثير من الأحيان، قد نجد أنفسنا نروج لـ«إنجازات» هي في الحقيقة مجرد أنشطة اعتيادية، ونصف «مشاريع تنموية» لا تعدو كونها بنى تحتية لا تحمل قيمة مضافة حقيقية. في ظل هذا التحيز، تصبح رؤيتنا للواقع مشوشة، ويبدأ الناس بخلق واقع موازٍ بعيد عن الموضوعية، يعتمد على تصورات غير دقيقة، فيواجهون صعوبة في فهم الوضع الحقيقي للاقتصاد وتحدياته.

Ad

هذه الانحيازات النفسية لا تقتصر على الأفراد فقط، بل تؤثر أيضاً على المؤسسات وصناع القرار الذين يقعون في الفخ ذاته، فتتحول جهودهم إلى تعزيز أفكار ذاتية بدلاً من اتباع استراتيجيات علمية دقيقة. العديد من المشاريع التي يتم الترويج لها كإنجازات تنموية لا تعدو أن تكون مجرد خطوات بسيطة لا تساهم في تحقيق التنمية المستدامة أو تحل مشكلات المجتمع الحقيقية. ورغم أنها تنال الإشادة الشعبية فإنها تفتقر للتأثير الفعلي المطلوب، وتستمر الموارد في الاستنزاف دون جدوى اقتصادية حقيقية.

تجاوز «فخ الانحيازين» يتطلب وعياً متقدماً وحساً نقدياً يمكننا من تقييم المشاريع والمبادرات بموضوعية، بعيداً عن أي تهويل أو تحجيم. من الضروري أن نطرح أسئلة صعبة ومباشرة مثل: هل تسهم هذه المشاريع فعلاً في خلق فرص عمل مستدامة؟ وهل تحفز النمو الاقتصادي الحقيقي، أم أنها مجرد استعراض سياسي يهدف إلى كسب رضا مؤقت؟ يتطلب الأمر الشجاعة لإعادة النظر في الأولويات والتوجه نحو استراتيجيات تضع الحقائق والبيانات العلمية في صميم القرارات التنموية لتحقيق أهداف طويلة الأمد تخدم الوطن وأجياله القادمة.